في كتابه “فلسطين وحروب التضليل الإعلامي”، الصادر حديثاً عن “مجمع الأطرش للكتاب المختص”، يبحث الكاتب والصحافي التونسي الصحراوي قمعون في مظاهر وأساليب التضليل الإعلامي التي يعتمدها الاحتلال الإسرائيلي ووسائل الإعلام الغربية المتواطئة معه بهدف تشويه الحقائق التاريخية، من خلال مستويات متعدّدة تتراوح بين بثّ الأخبار الزائفة وتوجيه الإعلام، وممارسة التعتيم والرقابة على الأخبار المتعلّقة بالقضية الفلسطينية.
يتضمّن الكتاب أربعة فصول يُحاول فيها المؤلّف، حسب ما ورد في المقدّمة، تفكيك السردية الإعلامية والدعائية التي قامت عليها “إسرائيل” منذ عام 1948 غداة الحرب العالمية الثانية، وكيف استغلّت تعرُّض اليهود إلى المحرقة النازية لتتحوّل إلى جلّاد للشعب الفلسطيني الذي هجّرته من وطنه وعرّضته إلى “هولوكوست” جديد يتجلّى حالياً في حرب الإبادة التي تشنّها على غزّة منذ تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي.
يُضيء العمل، أيضاً، سقوط السردية الإسرائيلية القائمة على دور الضحية، وحدوث تحوّلات في اتجاهات الرأي العام العالمي الذي أصبح متعاطفاً بشكل غير مسبوق مع الشعب الفلسطيني وقضيته، بفضل ظهور وسائط الإعلام الجديد، ومن تجلّيات هذا التحوُّل المظاهرات التضامنية المستمرّة للطلبة في عددٍ من بلدان العالم، وخصوصاً في الولايات المتّحدة وأوروبا، ومحاكمة “إسرائيل” في “محكمة العدل الدولية”، إضافةً إلى تكشّف حجم التضليل والتعتيم في الإعلامي الغربي الذي يتغنّى بقيَم التعدُّدية والديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان، لكنّه يضرب بها جميعاً عرض الحائط حين يتعلّق الأمر بالإنسان الفلسطيني وما يتعرّض له من إبادة صهيونية.
يُوضّح الصحراوي قمعون أنّه اعتمد في تأليف الكتاب على مستجدات الحرب الإسرائيلية الحالية على غزّة، والتي يصفها بغير المسبوقة على الأصعدة السياسية والعسكرية والإعلامية، مُشيراً إلى إفادته من تجربته الطويلة في العمل صحافياً بقسم الأخبار الدولية في “وكالة تونس أفريقيا للأنباء”، والتي غطّى، خلالها، أنشطة “منظّمة التحرير الفلسطينية” التي استقرّت في تونس منذ مغادرتها بيروت عام 1982 وحتى عودتها إلى فلسطين عام 1994.
ويكتب قمعون في مقدّمته: “يرمي هذا الكتاب التوثيقي التحليلي، الذي انطلق إعداده مع حرب غزّة الأخيرة لعام 2023، إلى تحقيق هدفَين وهُما: أوّلاً التصدّي للتضليل الإعلامي الغربي المساند لإسرائيل ولسرديتها حول ‘الهولوكوست’ والمحرقة اليهودية التي قامت عليها، وثانياً شحذ همّة المقاومة للاحتلال عبر نشر ثقافة الاعتزاز والانتصار في النفوس، من أجل أن تبقى جذوة النضال والصمود والمقاومة للمحتلّ حيّةً متوهّجة في ذهن وسلوك الأجيال، حتى تحرير فلسطين بكلّ الوسائل الممكنة والمتاحة بالمقاومة السلمية أو السلاح، وتحقيق السلام العادل والشامل، ولو بعد عقود، كما تحرّرت الجزائر عام 1962 من الاستعمار الاستيطاني الفرنسي الذي تواصل ليلُه الطويل الحافل بالجرائم ضدّ الإنسانية، مئةً وثلاثين سنة، وكما تحرّرت القدس من جحافل الصليبيّين المتعصّبين عام 1187 في معركة حطّين، على يد القائد صلاح الدين الأيوبي، بعد ثمان وثمانين عاماً من الاحتلال الأجنبي، وكما انتهى نظام المَيز العنصري و’الأبارتهيد’ في جنوب أفريقيا، حليف إسرائيل العنصرية”.