قبل أي بداية.. كل عام وأنتم بخير، وخواتم مباركة، وعيد سعيد..
* وقبل أولاً.. لا بأس من استعراض بعض من أمور مؤلمة تفسد الحياة وتزيدها تعقيدًا، وتحتاج إلى توصيف وإلى مواجهة، وإدراك حقيقة أن للتشبث بكراسي المسؤولية في أي بقعة جغرافية في اليمن استحقاقًا يفرض الأخذ بأبجديات الشراكة في الوطن.
* ثم إن في محفوظاتنا الدينية والوطنية والإنسانية ما يفرض الوفاء بمتطلبات الحياة، بعيدًا عن الظاهرة السيئة المتمثلة في القبول بالتسول كحل مريح للأيادي العليا والأيادي السفلى وأيادي النهب الطرشاء..
* ليس في تسوُّل من يسألون الناس إلحافًا حلاً لمشاكل الفقر الحقيقية، وليس فيه تنمية شخصية أو عامة من أي نوع.. وهذا ما أدركته دول العالم غنيها والفقير.
* ذات يوم زار بيل جيتس الهند، البلد الذي يسعى للتغلب على الفقر بالمزيد من التنمية فقدم هديتين.. الأولى مئة مليون للمساعدة في علاج الإيدز والهدية الثانية 400 مليون دولار لتطوير بحوث صناعة الكمبيوتر.
والشاهد أن التسول ليس حلاً في حياة أي أمة، وأن الحل هو في المسارعة إلى تحقيق السلام وفي التنمية وتطبيع الحياة ووفاء كلّ من يحكم بواجباته تجاه الناس.
* التسول يا حضرات ارتقى في اليمن إلى درجة الظاهرة المخيفة وسط عدم إدراك بأنه المفهوم الخاطئ للتراحم، ولا يجوز أن يكون له مقام في التعريف بمنظومة الحقوق والعدالة الاجتماعية.
التسوُّل مشكلة وليس حلاً على الإطلاق، خاصة وأن من يمد يده في شعبان هو نفسه من يتسول في رمضان وهو نفسه من يفاجئك في صباح العيد.. والفرجة عليه يعكس فشل إدارة السلطات لأمور البلاد والعباد على مستوى جغرافية اليمن.
* صحيح أن التسول كان حاضرًا دائمًا في حياتنا، ولكنه تضاعف أضعافًا مضاعفة، ثم تحوّل إلى أسلوب حياة.
فلا المشغولين بالجبايات بالحق والباطل أوقفوه ولا الجاثمين على ثروة النفط والغاز فرملوه وإنما جعلوا الموارد للقائمين عليها ونسوا الشعب، ولا من يسأل بجدية عن نصيب اليمنيين في موارد بلادهم وجد إجابة، فكان ما نعيشه من كارثة استبساط مد اليد..؟
* الجديد في ظاهرة التسول أن من يطلبون المصلين الفقراء إلحافًا صاروا من مختلف الأعمار.. وجوه ترى فيها من يشبهك ويشبه ابنك وعمك وخالك وابنك وأخت أبوك من الرضاعة، بل إن من الوجوه والملامح من يشبه في ملابسه شيخًا عالقًا في ذاكرتك.
* وعذرًا، ولكن لقد زاد الخرق ولا وجود للراقعين ولو حتى بكلمة للنقاش أو للفت النظر.
ولا لوم على المتسولين سواء كان تسوّلهم لحاجة ماسة أو استبساط، لا قسوة على متسوّل لأنه يكفي من يطلب الناس ما يتعرض له من الإحساس بالذل والانكسار، ولكن إلى متى يا قادة البلاد في كل مكان “هل إلى خروج من سبيل”؟.
* يقسم أحد المصلين بالله العظيم أنه وتحت أصوات وعبارات التسول لم يعرف أكثر من مرة ماذا صلّى فيلجأ لإعادة الصلاة في بيته.
وعقب كل صلاة في مسجد جميعنا يتألم أمام من يعرضون تقارير طبية.. وشهادات دراسية جامعية لم تمنع عن أصحابها ذل السؤال.
نساء يستعطفن الناس مع أطفالهن عند أبواب المساجد أو على جانب مطب، أو في زاوية مظلمة.. وأصابع تضغط حتى على جرس بيت متواضع فتحرقه من شدة الحماسة وإلحاف قوة الطباع.
* وحتى لا يتكاثر عبدة الذات، فإن من المهم تعليق الحرس وتذكير المسؤولين عن العباد والبلاد بعدم التقوقع داخل ذواتهم واستنفار ما بقي من تركيبة نفسية وأخلاقية ووطنية.
* الفقر والجوع يتسع بصورة مهولة، ولا يقتصر على ما نشاهده في المساجد والشوارع، وعلى أبواب المنازل.
فغادروا أطماع الذات المترهلة واجعلوا من الخواتيم والعيد مناسبتين لإعادة الأمل للناس.
اشعروا بمعاناتهم وتحلوا بالسماحة والقناعة.
لا تتقوقعوا داخل ذواتكم المتضخمة، وعيشوا خارج حدود النفوس الأمارة بالسوء.. وأعيدوا للبلاد سلامها المسروق.
عن “صحيفة اليمني الأمريكي”