عبد المجيد التركي
كانت همومنا تنحصر في مشاهدة مسلسل افتح يا سمسم، ونتسابق على ما تبقى من زجاجات السينالكو وكندا دراي بعد أن يغادر الضيوف.
ننام بعد صلاة العشاء بأقدام مليئة بالتشققات والفازلين..
لا أحد يسهر حتى التاسعة مساء.. ولا أحد ينام بعد أذان الفجر.
كان جارنا الحداد يخيط شقوق قدميه بإبرة يحتفظ يها منذ زمن بعيد، وخيط مخصص لرتق أكياس القمح. انكسرت الإبرة في تلك القدم المتصالحة مع التراب منذ أول خطوة، ليستبدلها بقدم بلاستيكية ناعمة لن يحتاج إلى دهنها بالفازلين.
مهيوب العجوز أيضاً كان يرتدي قدماً صناعية. تحكي زوجته لجاراتها أن قدمه بقيت معلقة بعد انفجار اللغم، فقطعها بسكين ورماها إلى جنود في ثكنتهم وهو يصرخ:
كلوها، افرموها وكلوها يا عيال الـ…..
عاش مهيوب مائة وثلاث سنوات، لم يخرج عن خط سيره اليومي، من البيت إلى الدكان إلى المسجد.. يخرج كل صباح حاملاً جمنة فخارية مليئة بالقهوة، وبيده الأخرى سلة جمر يسكبها في موقد الدكان، ويضع عليها قليلاً من الفحم تكفي لرصفها على بوري التبغ، ويبدأ بشفط الدخان من قصبة المداعة وهو يردد: يا نخوسااااه.
جسده الضامر يشبه المومياوات، وجلده اليابس التصق بهيكله العظمي، لم يعد فيه عضو يعمل سوى رئتين ينفث بهما دخان المداعة.. يخرج مهيوب إلى الصيدلية الملاصقة لدكانه ليقترح على حسين إعطاءه بعض الفيتامينات، متجاهلاً نبضه الخافت وعضلاته التي تلاشت، ومتجاهلاً أن مائة وثلاث سنوات تكفي لتغيير شكل الجبال وإصابة الأنهار بالجفاف.
سأله حسين عن رجله التي ألقاها للجنود، فقال له:
– انتبهت وأنا أقف على لغم، لم أشأ أن أبدو خائفاً أو أطلب النجدة. لا أريد أن يراني أحد في هذا الموقف، فقفزت إلى الأمام ليقضم اللغم رجلي كما تفعل أسماك القرش. ارتميت على الأرض وأنا أشعر بإحساس المعاقين قبل أن أرى رجلي. أحسست بمعنى النصف، بمعنى النقص.. لا يجب أن يراني أحد مرمياً على الأرض. كانت رجلي معلقة كغصن مكسور، فقطفت ذلك الغصن وألقيت به إلى ثكنتهم. لن يأكل رجلي أحد سوى الكلاب والنسور.