سهيل كيوان*
انتشر في الآونة الأخيرة تسجيلٌ يظهر مُستوطنة في الضفة الغربية تسألُ طفلها، «ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر!» فيجيب الطفل البريء أنَّه سيصبحُ جنديًّا.
-وماذا ستفعل؟
-سأقود سيارة جيب!
-وحينئذ ماذا ستفعل؟
– سوف أقتل العرب!
حينئذ تضمُّه الأم إلى صدرها بحبٍ كبير!
كان هذا التسجيل عام 2005، وهذه السَّيدة أمٌ لعشرة أولاد صارت عضوة في البرلمان الذي سن القوانين وهي ممثلة للكتلة الفاشية التي يقودها بن غفير وزير الأمن القومي، طبعًا صار ابنها جنديًا.
وللتحلية والتّبرير وكضريبة كلاميّة بصفتها عضو كنيست، قالت المدعوّة (ليمور صون هار ميلخ) إنَّ الحديث هو عن المخرِّبين فقط، وليس عن العرب بشكل عام! وإن كلامها هذا جاء بعد أن قتل العرب زوجها. طبعًا هي لا دخل لها في الحيثيات والسياق الذي قُتل فيه زوجها.
تخيّلوا لو أن كلَّ عربي قتل الإسرائيليون والده منذ عام النكبة إلى يومنا، تربّى على أنّ يقتل اليهود عندما يكبر! وليس هذا فقط، بل أن تتاح له الفرصة لتنفيذ ذلك، مثلًا بأن يكون جنديًّا يقود سيارة عسكرية يقتحم فيها القرى اليهودية متى شاء كي يصطاد فريسته وينتقم!
لا أزعم أن العرب ملائكة في تربية أبنائهم، وأنهم بمعزل عما يدور من حولهم.
بعض أطفال الفلسطينيين كانوا يهتفون «فلسطين بلادنا واليهود كلابنا» كردٍ على تواطؤ البريطانيين على احتلال فلسطين! وبعض الفلسطينيين يلقَّن أولاده «يا يهودي بيخ بيخ حُط راسك بالطبيخ»، وأكثرهم يربُّون أطفالهم على مقاومة الاحتلال والقهر، لكن الحقيقة أن العرب حتى وهم ضحايا العنف والقتل لم يعمِّموا تربية قتل اليهود، بل دائمًا ميّزوا بين المعتدي القاتل وبين عموم اليهود، وميَّزوا حتى بين المتطرف منهم والمعتدل أو ذي النزعات الإنسانية الجانح إلى السّلم إلا في حالات نادرة.
مثل هذا الطفل المستوطن يوجد جيش من عشرات الآلاف، وما نراه ويراه العالم من ممارسات مستوطنين وجنود وحرس حدود هو نتاج تربية جرى تلقينها لهم منذ الطفولة المبكرة، واستمرت في شبابهم وكهولتهم، وهذا ليس جديدًا ولا هو وليد حادثة بعينها كما حاولت النائبة الفاشية أن تبرِّر، بل هو نهج قديم، ولكن أعداد من يتلقونه في ازدياد مستمر، كذلك أعداد من يعترضون عليه في تضاؤل مستمر، هؤلاء يجري تلقينهم على الحقيقة مقلوبة، وهي أنَّ العربي هو الذي يسرق الأرض، وهو الذي يعتدي على المستوطنة، وهو الرافض للسّلام.
ما تلقّنه الأم لطفلها يصعب محوه أو إثبات خطئه إلا إذا صار هذا الطفل شخصية فذّة، واكتشف أنَّ تربيته رذيلة، ومدى عنصريَّتها وغبائها، وهذا نادرٌ جدًا، وسيبقى ما لقنه إياه والداه أو مربِّياه هو الصحيح، مثل الطعام الذي تعدُّه الأم لأطفالها، يبقى هو الأفضل، وما تقوله الأم هو الحقيقة، فهي لا تكذب، ومن قالت عنه شريرًا سيبقى شريرًا، ومن قالت إنّه لطيف سيبقى لطيفًا، ولن يتغيَّر إلا بعد حدوث صدمة كبيرة أو حدث كبير قد يكون مأساويًا وحتى كارثيًا.
قد يعيش بعضُهم إلى أن تعلّمه الحياة خطأ ما تربى عليه، والبعضُ يعيش ويرحل من الدنيا قبل أن يكتشف أن والديه كانا يكذبان وأنهما عنصريّان وفاشيان وأنهما شوَّها روحه.
التربية في البيت تصبح بديهيات ومجرَّد طرح السؤال أو الشَّك في صحتها هو عمل مستنكرٌ ويثير الشبهات.
النّاس على ما تربّوا عليه، حتى الخرافات يصعب التخلّي عنها، فالجنِّية التي تسكُن في عبِّ الخرّوبة في سفح الجبل، لن ترحل بسهولة بعدما سمِعتَ عنها من أمِّك ووالدك وأصدقائك ومن كل الناس المحيطين بك، حتى رسخت كحقيقة، وسوف يظل طيف هذه الجنية عالقًا في أعماقك وسيحضر كلما مررت بالقرب من الخروبة، حتى بعد أن تصبح موظفًا كبيرًا في شركة، أو نادلًا في مقهى أو أستاذًا في الجامعة أو حتى وزيرًا، ستقول بلسانك إنها خزعبلات لا أؤمن بها، ولكن في لا وعيك سوف تبقى الجنّية ولو بحجم رأس إبرة، ولن تجرؤ على الذهاب بعد مغيب الشمس إلى تلك الخروبة وتجلس تحتها إلا برفقة آخرين، وسوف يخفق قلبُك خفقة زائدة إذا ذكرها أحد مرافقيك بسوء، وإذا جَرُؤت وذهبت إلى هناك، فإنك سوف تشهر سلاحك ببعض السُّور القصار وستتلو الفاتحة عدة مرات، وتتعوذ بالله من الشيطان الرجيم مرات ومرات، كي تضمن بأن تبقى الجنية نائمة ولن تؤذيك، ربما يحدث أمرٌ عميق يغيِّر تفكيرك إذا اقتلعت الخروبة من جذروها، وارتفعت مكانها عمارة من عشرة طوابق مأهولة بالبشر، ربما حينئذ ستقول: «هنا كانت خرُّوبة».
ورغم يقينك العقلاني بعدم وجودها، سوف تعود الجنّية إلى الظهور في مناسبة ما، ليس بالضرورة في المكان نفسه، قد تكون في ليلة مظلمة في ليلة ماطرة نفد فيها وقود سيارتك في منطقة معزولة، فهي ما زالت حقيقة راسخة في الطبقات العميقة من وعيك.
في بعض الحالات تتدخَّل أجهزة الدولة لتأخذ طفلًا من والديه لأنّهما لم يحسنا تربيته ورعايته، أو لأنَّهما يعاملانه معاملة قاسية، وقد نُشر فيديو ظهرت فيه سلطات حماية الطفولة والشَّباب الألمانية، وهي تنزع طفلًا بالقوة من والديه، لأنّهما لقَّناه التمييز ضد المثلية الجنسية، حسب ما لوحظ من توجُّهه في المدرسة، طبعًا ينتمي الطفل الذي جرى إنقاذه إلى الدِّيانة الإسلامية.
إذا كان تدخل الوالدين بتلقين ابنهما قناعتهما بما يتعلق بالمثلية الجنسية جريمة، أليس تلقين طفل على الكراهية والحقد والقتل جريمة!
ثم ما ذنب الطِّفل ابن هذه المستوطِنة بأن تجعله والدته نسخة عنها في فاشيتها وتعطُّشها لقتل العرب!
أليس هذا تجاوزًا بحق الطِّفل في التربية السليمة بحسب القانون الدولي! ألا يحق لأطفال المستوطنين الحماية من سموم العنصرية والكراهية وتجميل الجريمة في أعينهم، ووعيهم ودفعهم لأن يصبحوا سفّاحين عندما يتمكنون من ذلك! أخيرًا إذا كان المجتمع الدولي عاجزًا عن توفير الحماية للأطفال الفلسطينيين وذويهم من الاعتداءات الإسرائيلية على مساكنهم وأراضيهم وأرواحهم، فهو مطالب على الأقل بحماية أطفال المستوطنين من التربية الرذيلة.
أعتقد أن أمريكا المدافع الأول عن حرّية الأطفال وحمايتهم لن ترضى بهذه التربية، وأنا متفائلٌ بأنّه حتى نهاية هذا العام سوف نرى تحالفًا دوليًا تقوده أمريكا بمشاركة أوروبية وتمويل ياباني ألماني عربي خليجي كوري وسعودي في جبهة دولية عريضة تشمل العرب المطبِّعين مع إسرائيل في تحالف عريض، وجيش من ستمئة ألف مقاتل لغزو الضفة الغربية لإنقاذ أطفال المستوطنين من ذويهم.
**كاتب فلسطيني