أكتبُ الآن وبين يديّ فيديو يوثِّق موجات من بكاء حرَّاق أعقب خروج فتيان منتخبنا اليمني للناشئين من بطولة آسيا المؤهلة لكأس العالم وخسارتهم من المنتخب الإيراني بفارق ضربات الترجيح.
* البكاء على تلك الصورة جاء حرَّاقًا ومبالغ فيه، حتى وخروجهم من المنافسة أهال التراب على الشعار الحالم “معًا نحو كأس العالم”، وهو الشعار الذي رفعه اتحاد كرة القدم بصورة غير مدروسة، ولم تستوعب حقيقة الدعوة لأنْ “تكن أحلامنا الرياضية معقولة حتى لا نستيقظ من النوم مذعورين ببكاء لاعب وتدليس مطبِّل، وطبطبة كذاب زفة”..!
* والحق أن كثيرين حذروا من الإفراط في الضغط على نفسيات اللاعبين طلبًا لأنْ لا يرجعوا إلا ومعهم تذكرة التأهل إلى كأس العالم، رغم أن الزمن غير الزمن، والاتحاد غير الاتحاد، والعقول غير العقول، والبلد لم تعد كما كانت.
* حل الخوف والإحساس الكبير بالذنب في قلوب لاعبين موهوبين ومتحمسين، خاصة الذين لم يحالفهم التوفيق، ورصدت الكاميرا حسرتهم الشديدة بصورة لا تكذب، أو تتجمل، ولا تخفي “معلومة من أجل استلام “المعلوم”
* لقد أوحى لي بكاء اللاعبين وهو يتحول إلى نحيب في غرفة تبديل الملابس في بلد آسيوي ممنوع فيه الطبطبة على رؤوس الصغار، كما لو أن بعض آباء وأمهات اللاعبين حدث لهم مكروه، لا سمح الله.
والحمدلله على عافية أن نجوم اليمن الناشئين كفّوا، حتى لو انتظرنا منهم أن يوفّوا.. ومن الظلم الكبير أن ننتقص من مشاعرهم، نكاية لقرار خاطئ هنا أو هناك، ولكن…
* الفيديو الذي تأخرت متابعتي لبكائياته هو من النوع الذي يترك في الحلق غصَّة، وفي الدماغ ندبة، وفي الذهن سحابة سوداء.. ولسنا ناقصين همومًا زرقاء، ولا أوجاعًا غبراء.
* ولقد سألت نفسي: لماذا ارتفع نحيب لاعبي منتخب الناشئين الأبطال وسط تحركات رئيس اتحاد الكرة أحمد العيسى ذهابًا وعودة بين صفوفهم مواسيًا رغم خيبة سفره مع وفد من مستشاريه إلى تايلند أملاً في أن تحل البركة، ونخطف تأشيرة التأهل، وتتعالى أصوات دفوف فرقة حسب الله.
ولفت النظر تداخل أصوات فنيين وإداريين و”محوشين” أخذوا في التهدئة وجبر الخواطر، مع أن فتيان اليمن قدموا ما عليهم، وفرضوا مواهبهم التي لم تأتِ من دوري أو كأس أو اهتمام من قيادة إدارية منضبطة ومتخصصة.
* كان وراء ما قدمه منتخب السعادة المأمولة موهبة لافتة، وطموحات متوقدة، واجتهادات طاقم تدريبي ودعاء جمهور عاشق وغير ضال، ولكن.. هذا هو الحال عندما نشطح ولا نأخذ بالأسباب التي تقول بأنه في البدء كان الدوري هو أساس إنتاج لاعبي الأندية والمنتخبات.. وعلى من يقول غير ذلك أن يكتم همَّه ويحبس دمه، ويعالج غمَّه.
* هل أذكِّر حضراتكم بأن هناك فرقًا بين العام 2003 والعام
2023، وبأن اتحاد أحمد العيسي غير اتحاد المرحوم محمد عبدالله القاضي، وأن النقد تحوَّل إلى تزمير، وأن ظروف الدوري والأندية والحوافز اختلفت، حتى إننا لم نكن نسمع عن أيّ تحايل على بدل سفر اللاعبين، ودمج أربع أو خمس مهمات في بدل سفر واحد.. أما إذا تأكد خبر أن هناك من اللاعبين من استلم المزوَّر من العملة، فإن من واجبنا كجمهور أن نقدر أحوال اللاعبين، ونحترم ما حققوه، ونأخذهم على كفوف التصفيق.
* ولا مجال للدهشة ما دام اتحاد كرة القدم يدير اللعبة ومنتخباتها بلا دوري أو كأس، ويستلم من الفيفا مئة ألف دولار شهريًّا، ولا يخليها بحجة أن الأندية بلا حسابات صالحة للتحويل.. فضلاً عن أن مدارس متواضعة استثمرت في الملاعب، فيما أندية يمنية لا تزال بلا ملاعب، أو أن ملاعب أندية كبيرة كأهلي صنعاء نفسه بلا تعشيب، ما يستحق التوقف أمامه من حملة الأقلام وليس حاملي المباخر.
* إن منتخب الناشئين الذي ذرف الدموع هو حصاد جملة من أشكال العبث في المؤسسات الرياضية: أندية، اتحادات، لجنة أولمبية، ووزارتي شباب.. وكل ذلك يبرر لكل انكسار في طموحات اللاعبين، ويفرض علينا أن نمتدح جهودهم، ونقول لهم:
الله يقوِّيكم.. لم تقصِّروا..
وافين وكاملين، ونحن الناقصين.. دموعكم غالية علينا..
ومن يقول غير ذلك فهو إما غير متابع، وعليه أن يتعرف على المشكلة، ويوصل صوته إلى كل عابث، وكل ظالم، وكل فاجر..!
المصدر: “صحيفة اليمني الأميركي”