جميل مفرح
كقنبلةٍ بدائيةٍ خلَّفتها الحرب
أو كرسالةٍ لم أكتبها أنا…
ليلة قدري الفعلية تحدث حين تكونين هناك وفي ذات الوقت أقرب مني إليَّ.. حين أمد يدي فيأخذها احتراف العزف على كل آلةٍ يمكن أن أبتكرها من حضورك..
ما أسعدني، وما أشقى العالم أجمع، لأن لا أحد سواي هناك..!!
أريد أن أؤدِّيك معزوفاتٍ لم تتذوقها السماء بعد، وأن أقرأك قبل ذلك نصاً لا تخلو عبقريته من ملامحك وبصمات أصابعك وعينيك.. ولا أنسى رائحتك التي تكسر النسيان من ساقيه..
أريد أن أختطفك حتى منك، وأنأى بك حتى عن الأوكسجين.. لن نحتاج إلى أوكجسين حين نتوازى… بل سيغدو الأوكسجين خطراً، مرور بسيط بيننا، ويعلن الكون متباهياً عن انفجاره الأخير.
أن تتداخل تضاريسنا وتلتف على كل صحراء مقفرة وكل ظمأ حزين، لترميهما في مخلفات الوجود.
أريد أن أنام ويدي تربت على ظهر الأمل، لتشعري بسريانه كتيار لذيذ في جسد اللحظة.. أريد أن أخلق نوبل آخر، وأطلب منه ابتكار مادة تفجيرية أشد من الديناميت، فأنا بحاجة ماسة لتفجير رأس النوم الآن.. أريد أن أنام فقط وأنا أحتضنك، ولا مشكلة إن لم أستيقظ بعدها…
هل تتخيلين ما يمكننا أن نفعل وأن نقول خارج فناء اليقظة..؟
بالنسبة لي، يهددني الخيال عادة من أن أقترب منه في أشياء كتلك، إلا أنني لا أخشاه وأتخيلك وأنت في مرمى ذراعي تتمتمين بلفظة الخلود (أحبك).. فأزيد التصاقا بك حد الاندماج في رغبة واحدة مشتركة.
ما أزال أتخيل جسدك كنزاً أزلياً فأتماسك وأتمسك به، وأصر على أن يغدو جزءاً مني..
وأن نغدو كلانا جزءاً من ليلة لم تكن لتخطر على بال الخيال ذاته..
أريدك أن ترتدي ابتسامتك فقط، فهي تكفي لتجعل التاريخ يعيد النظر في احتمالاته الحتمية..
أن تجمعي الضوء والصوت وتعتصري منهما شراباً ملكياً يليق بناضجين وحكيمين..
أن تفرد الشفاه أجنحتها لتطير وتحلق بنا بعيداً ثم تعيدنا.. تأخذنا من حقيقة جفائنا إلى وهم الثمول الذي نحاول أن نقتفيه فيضيع منا..
لا حاجة للصبح أن يتنفس.. فقد أصبحت رئتاه مجرد مشردتين متسختي المظهر وعاطلتين عن الكينونة.. يكفي أن نتشارك الهواء في عمليات شهيق لا تحتاج لندية أو ضدية الزفير.. أن نعض معاً على الأمنية حتى نتذوق ألمها طرياً في شفاهنا..
أن نصب أنخاب اللحظة ونتبادلها…، ونعبَّ حتى يتمايل الوقت ويتطوَّح، ثم يرتمي قتيلاً في مكان ما من المسافة التي بين فمينا..
أحتاج إلى أن يعزف أنفي وأصابعي على خصلات شعرك، مقطوعات تجعل جسدينا يرتعشان ظمأ، ويتمنيان المزيد من الكؤوس.. هناك على حدود الجسدين، سيقام مهرجان من المشاعر السماوية المبتكرة: أضواء وألوان وأصوات وشلالات مذاقاتٍ هي ربما الأولى في الوجود.
ثمة احتمال ولو ضئيل أن تتسرب هذه الفوضى المحببة إليك الآن، وأنت تغطين في الهروب، ولا يستبعد أن تتسلل رائحة هذا الجنون اللذيذ إلى ملاذك الآمن، لا بد من أنك الآن تبتكرين مهرجانك الخاص وتعدين ترتيباته بطرائقك الخاصة..
يهيأ إليك الآن أنك ترين حلماً غرامياً، ولكنه مختلف عن كل غراميات القصص التي ابتكرها التاريخ والسياسيون والحكاؤون لمجرد اللهو والإلهاء..
ترين نفسك تركضين في واد طويل أخضر؛ تحيط به الأمنيات المكبوتة، تركضين بلهفة طفلة لا تنقصها المشاغبة، ومرح امرأة ناضجة ينقصها الكثير..
سترين هناك في أعالي وجهتك أفقاً مخملياً.. ونصفاً من قرص شمسٍ، تُصرِّين على اللحاق به، وإغوائه مزيداً من الوقت، عله يعدل عن حزم أمتعته أو ينسى الغروب..
قليلاً بعد ويغدو خيالي جنوناً، وتتحول المشاهد في رأسي إلى بدايات ونهايات أكثر مما عاشتنا الأمنيات مجتمعين.. قليلاً وينكسر اللوح الشفاف ويتداعى الواقع ويخيل لنا أننا صرنا علامة من علامات الفردوس المأمول.
قليلاً وأخرج من شرنقة الوقت والمكان وأسقط إلى مخدعك، وتشعرين باللغة تحلق في سماء جسدك كسرب فراش يطير للمرة الأولى.. وقليلاً بعد وأنفجر هنا وحيداً كقنبلة بدائية خلفتها الحرب العالمية الأولى في قعر البحر..
لا تخافي لن يحدث شيء، لأن المكان هنا خال حتى من اليرقات.. ليس إلا أنا، أتجرع في قاع الملح أحلام السكر.
حسنا.. ستتعاملين مع كل هذا، إن قدر له وقرأته، وكأنه مقاطع زائدة، وردت في رواية بوليسية، كانت قد مرت عليك ذات واحد من العصور المصنفة قبل الإنسان..!!
وستعيدين التساؤل: ماذا أتى بهذا الهراء اللفظي الذي يدل على بذخ خرافي مُدَّعى..؟!
يا له من إسراف يستحق الازدراء..!!
حسناً أخيرة..
لا بأس، فليكن.. حسبي أنني لا أسلِّم معصمَي خيالي لسجان ما، ليتفنَّن في تقييدهما.. أستطيع أن أقول، دون أن أتلمس ما يمكن أو يحتمل أن يباغتني به الواقع من حولي.. أقول وأفعل ما يخطر في بال الرغبة، دون أن آبه بما قد تتلفه الكلمات والحركات وتتعارض معه النظريات والنتائج.
من الآن وتالياً لن أنام إلا محتضناً إياك، كحكاية مكتوبةٍ على مرآة، أو على الأقل كفكرةٍ محتملة، وليكن ما يكون.