يتتبع جمال رحلات «كوكب الشرق» شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، ويرصد ما كان منها، وكيف بدت حفلاتها، وكيف استقبلتها الجماهير المحبة لفنها في كل مكان ذهبت إليه. وقد جاء الكتاب في أكثر من 600 صفحة و17 فصلاً، اختتمها المؤلف بملحق بسجل الحفلات، وكثير من الصور التي تم التقاطها في رحلاتها، ولقاءاتها التي دارت بينها وبين صحافيين بارزين من مصر وأوروبا والبلدان العربية، وقد تركوا أرشيفاً ضخماً وجد فيه المؤلف الكثير مما يحكى عن فنانة مصرية، بذلت عشر سنوات من عمرها منذ عام «النكسة» وحتى ما قبل عام من رحيلها، في حركة فنية دائبة تغني للجماهير، وتلتقي الرؤساء والملوك، وتسعى -من ضمن ما تسعى إليه- إلى إزالة بعض من أسباب الجفوة التي كانت تطرأ بينهم وبين الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.
وفي فصل بعنوان «أم كلثوم معكم في المعركة»، يقول المؤلف إن دور أم كلثوم في دعم الجيش المصري لم يتوقف عند حدود الدعم المادي؛ لكنها سجلت خلال مايو (أيار) 1967، في الإذاعة المصرية، سبعة نداءات حماسية، استمر بثها حتى نهاية مايو، والأيام الأولى من شهر يونيو 1967.
كانت النداءات موجهة بشكل مباشر للجنود على جبهة القتال، بعد قرار التعبئة العامة، وظهور بوادر الحرب بعد غلق مضيق العقبة، وكان الهدف منها بث الحماسة فيهم، ورفع روحهم المعنوية. وقد نشرت مجلة «الكواكب» نصوص النداءات.
ويتعرض الكتاب لما فعلته «كوكب الشرق» بعدما سمعت خطاب تنحي عبد الناصر يوم 9 يونيو 1967، واستشهد بقولها إنها لم يكن أمامها إلا أمران: الأول أن تلتزم الصمت، وتقبع فريسة الانهيار النفسي، والثاني أن تبذل ما تستطيع من جهد من أجل المعركة، وقد اختارت الأمر الثاني.
ويذكر المؤلف أن أول حفلة بدأت بها «كوكب الشرق» المجهود الحربي، كانت في مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة شمال مصر، ووصلت إيراداتها التي جمعتها إلى 70 ألف جنيه، بعدها انتقلت إلى الإسكندرية، وهناك بدأت فكرة جديدة للتبرع؛ حيث أقام منظمو الحفل مزاداً على كراسي المسرح، وكان المتحصل منها يفوق أضعافاً مضاعفة قيمة التذكرة. بعد ذلك ذهبت في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى باريس، وكانت أول مطربة عربية تغني على مسرح «الأولمبيا».
وهناك قدمت حفلين، غنت في الأول ثلاث أغنيات، هي: «إنت عمري»، و«الأطلال»، و«بعيد عنك»، تخللتها استراحتان قصيرتان. وقد بدأ الحفل في تمام الساعة التاسعة و25 دقيقة، واستغرق ما يزيد على خمس ساعات، وكان مدير المسرح يظن أنها سوف تنهي وصلتها الغنائية بعد عشرين دقيقة؛ لأنها عند اتفاقها معه في القاهرة قبل «النكسة» بشهور كانت أخبرته أنها سوف تغني أغنيتين أو ثلاث على الأكثر.
كان حفل باريس بالنسبة لأم كلثوم أول انطلاقة لها في أوروبا، وقد حضره كثير من الملوك والرؤساء والأمراء والشخصيات المهمة، من العرب والأجانب. وكان بينهم 500 من اليهود المغاربة الذين فور علم مدير المسرح بوجودهم شعر بالقلق، وقام بتعزيز الوجود الأمني حولهم؛ لكن حين بدأت أم كلثوم في الغناء فوجئ باندماجهم، وهم يستمعون إلى الأغنيات، وكانوا يتجاوبون بالتصفيق تعبيراً عن إعجابهم.
حينها ذهب إليهم، وسألهم عن سر إعجابهم بصوت أم كلثوم لهذه الدرجة، وهي تطالب بضرورة التصدي لليهود ومحاربتهم، فردوا عليه بأن «أم كلثوم أعظم مطربة في التاريخ، ولا يمكن إنكار هذا، وأنها تمتعهم بفنها وطربها الأصيل، وهذا أمر لا علاقة له بالأمور السياسية». في فصل بعنوان «بعد منتصف الليل كانت أم كلثوم لا تزال تغني»، أشار المؤلف إلى حوار تاريخي جمع أم كلثوم والكاتب الصحافي المصري محمد حسنين هيكل، نشرته مجلة «آخر ساعة» المصرية آنذاك.
في بداية الحوار، سألت أم كلثوم هيكل عن مجريات السياسة في العالم، وتطورات القضية العربية التي كانت ما زالت مشتعلة منذ عدوان 5 يونيو، وعن دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن في أزمات الشرق الأوسط، وتحديداً قضية اللاجئين، وهي القضية التي احتلت جزءاً من نشاط أم كلثوم المنتظم في سنوات المجهود الحربي.
ثم سألته أم كلثوم عن الدور المتوقع لمؤتمر القمة القادم، ومدى ارتباطه بمؤتمر القمة السابق في الخرطوم في أغسطس (آب) 1967، وعن رؤيته السياسية لخطاب الرئيس جمال عبد الناصر الأخير الذي ألقاه في «مجلس الأمة».
لكن أهم ما في الحوار هو سؤال هيكل لأم كلثوم: «كيف استطعتِ إلغاء الفارق بين السياسة والفن؟».
وهذا السؤال يحمل نظرة واضحة وصريحة لطبيعة دور أم كلثوم بعد الهزيمة، حين تشابك دورها الفني والسياسي، فالجمع بين الفن والسياسة أمر معقد. فردت «كوكب الشرق» بأنها مجرد مواطنة تحب وطنها، فكان جوابه: «هذه إجابة معقولة؛ لأن السياسي هو أي إنسان تتعدَّى اهتماماته حدود مصلحته الخاصة».
وعن رحلتها إلى تونس خلال شهر مايو، قال المؤلف إن «كوكب الشرق» التقت الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة، وجلست معه ساعة كاملة لتزيل بعضاً مما شاب العلاقة بينه وبين عبد الناصر، وقلَّدها بورقيبة أكبر وسام في تونس، وحضر أول حفلة، ثم ودَّعها بنفسه لدى مغادرتها بلاده. ثم اتجهت إلى السودان في ديسمبر (كانون الأول) 1968، وبعدها كان الطريق إلى ليبيا، ثم لبنان، وكانت آخر حفلاتها في أبوظبي، وحينها حضرت رفع علم الوحدة الإماراتية عام 1971، وكانت وقتها قد تجاوزت السبعين من عمرها. أما عن رحلتها إلى الاتحاد السوفياتي السابق الذي زارته نهاية سبتمبر (أيلول) 1970، فقد قطعتها بسبب رحيل عبد الناصر، وعادت بملابس الحداد.