يؤكد خبراء علم النفس أن هوس الآباء بالمثالية والكمال من شأنه أن يجعل الأبناء عُرضة للمخاطر العقلية فيصبحون مهووسين بالكمال ويقسون على أنفسهم ويخافون من الفشل.
ويرى الخبراء أن الكثير من الآباء والأمهات يحاولون أن يقوموا بدورهم تجاه أبنائهم على أكمل وجه، وأن يكونوا آباء جيدين لهم، مثلما يتمنون أن يكون أبناؤهم صالحين، ولكن أحيانًا يتحول الأمر إلى هوس بالمثالية والكمال.
وقالت مارى رمسيس الكاتبة والباحثة التربوية إن “فكرة الأم المثالية هى أكذوبة كبيرة، وما يحتاجه الأبناء ليس شخصًا خارقًا وإنما أب أو أم جيدة ومحبة وسعيدة أيضًا، وعلى العكس يمكن أن تنعكس هذه المثالية على الأبناء بالسلب”.
ويشير الخبراء إلى أن السعي للكمال والتمسك به يُصبح أكثر خطورة، عندما يُمارس على أطفال من الطبيعي أن يقعوا في الأخطاء، باعتبارها وسيلة للتعلم والإبداع واكتساب الخبرات، في هذه المرحلة من عمرهم.
فكرة الأم المثالية أكذوبة كبيرة وما يحتاجه الأبناء ليس شخصًا خارقًا وإنما والدان جيدان ومحبان ومتفهمان
وقالت رمسيس “الأب أو الأم المثاليان يكونان من الشخصيات الدقيقة جدًا يريدان كل شيء جيدا وصحيحا بنسبة 100 في المئة ويطبقان هذا على الابن، يريدان أن يكون سلوكه مثاليا بنسبة 100 في المئة ودرجاته مثالية ونظافته وكل الأشياء مكتملة دون أي نسبة خطأ، حتى في الجوانب الاجتماعية، يفرضون عليه أن يتصرف بالطريقة التى يرونها مثالية جدًا ولا يتركان له حتى أي مساحة أن يقول رأيه أو يعبر عن نفسه”.
وأضافت أنه بسبب هذا السعى للكمال يكون الآباء مجهدين جدًا ومحملين طوال الوقت بالكثير من الأشياء، وبالتالى يكونون مضغوطين ويقومون بكل شيء تحت ضغط ولا يمكنهم أن يرسموا السعادة على وجوه أبنائهم، كما أنهم يكونون عاجزين عن الاستمتاع بالحياة، بالتالى تكون النتيجة طفلا تعيسا غير سليم نفسيًا.
وتعد المعايير العالية هدفا جيدا وإيجابيا يمنح الأطفال الذين يميلون إلى الاستمتاع بالتحدي، فمُتعة الإنجاز يجب أن تتناسب مع أعمارهم ومهاراتهم.
لكن توقع الكمال من الطفل العادي قد يؤدي إلى إضعاف شعوره بالثقة، ويؤثر على استعداده لمواجهة التحدي لشعوره بأن ما يفعله ليس جيدا ويجعله يشعر بتدني قيمة الذات، ويميل إلى التركيز على أخطائه وتقليل إنجازاته مما يمنعه من الشعور بالرضا.
وعندما يُصبح أبناء الآباء الساعين إلى الكمال بالغين ويصلون إلى سن الرشد، قد يكونون أكثر عُرضة للاكتئاب والإدمان وإيذاء النفس، حيث تُظهر الأبحاث أن السعي إلى الكمال يرتبط ارتباطا وثيقا ببعض الأمراض العقلية كالوسواس القهري واضطرابات الأكل.
ويبقى حرص الأبوين على توجيه الأطفال وتعليمهم، وتحسين مهاراتهم ليتطوروا وينجحوا طبيعيا ما لم يتحول من دفعة لتعزيز ثقتهم إلى توقعات مستحيلة توضع على أكتافهم الصغيرة.
وتنصح رمسيس بالتوقف عن طلب الكمال من الأبناء، تفاديا لما قد يكون له من تأثير معاكس.
وترى أن اكتشاف الأبناء لبعض عيوب الآباء يمنحهم الثقة للتعلم من ارتكاب الأخطاء، ويوفر لهم قدوة جيدة، بدلا من قضاء الوقت في محاولة جعلهم مثاليين. ولهذا على الأهل مشاركة أطفالهم قصص إخفاقات الأهل، وأن يوضحوا لهم أنهم ليسوا مثاليين، ويخبرونهم عن مرات فشلهم في الاختبارات أو في الحصول على وظيفة ويشرحون لهم كيف تعاملوا مع الفشل.