على مدى قرون عديدة تعددت حواضر الفن الإسلامي وتنوعت مجالاتها، وشملت الأنماط الزخرفية والخط العربي وفنون العمارة المستلهمة من الجوانب الروحية، وأتاحت حركة الفتوح والتجارة والهجرة التي انتعشت في ربوع البلاد الإسلامية ظهور أنواع أخرى من الفنون مثل السيراميك والمشكاوات والرسم والكتابة على الزجاج وغيرها.
وتحتفي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “يونسكو” (UNESCO) في 18 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، باليوم العالمي للفن الإسلامي الرائع الذي وصفته المديرة العامة للمنظمة أودري أوزولاي بأنه تشكل عبر 14 قرنًا من الزمن، ولا ينفك يتجدد ويؤثر في شتى ثقافات العالم بأسره.
وتقول اليونسكو إنها، منذ إنشائها تسلط الضوء على التضامن الفكري للبشرية، وأهمية المعرفة وقيمة التنوع لبناء التفاهم المتبادل والحوار بين الثقافات.
الجوانب المختلفة للثقافة الإسلامية
ونشرت المنظمة الأممية على موقعها إصدار “الجوانب المختلفة للثقافة الإسلامية” وهو جزء من مشروع “التاريخ الرائد” لليونسكو.
وتم إنجاز هذا العمل بدعم من جمعية الدعوة الإسلامية العالمية (WICS) في ليبيا. ويتكون من 6 مجلدات تجمع مساهمات حوالي 150 باحثًا من المسلمين وغير المسلمين من جميع أنحاء العالم. ويعكس الإصدار التبادل الأكاديمي بين أعضاء اللجنة العلمية للمشروع والمحررين والمؤلفين، من أجل تقديم لمحة تاريخية وجغرافية شاملة عن الثقافة الإسلامية.
وتقول اليونسكو في عرضها للمشروع إن نطاقه واسع ويهدف إلى تعريف أكبر عدد ممكن من القراء بالجوانب المختلفة لهذه الثقافة الحية. يوثق الأسس الإلهية للإسلام، ومكانة الفرد والمجتمع في العالم الإسلامي، وتوسع الإسلام، ومساهمته الأساسية في التعليم والعلوم والتكنولوجيا، وإسهامات الحضارة الإسلامية في الأدب والفلسفة والفن والعمارة.
وتوضح هذه المجلدات كيف كان الإسلام، على مدى قرون، قوة دافعة في التقارب بين الثقافات، وقدم إطارًا يمكن من خلاله للثقافات المتنوعة أن تزدهر وتتفاعل.
يناقش المجلد الأول أسس الإسلام، أركان الإيمان والأسس التي يقوم عليها الإسلام. يستكشف أفكار ومُثُل الإسلام، التي شكلت الرؤية الإسلامية على مر القرون وأعطت معنى وهدفًا وتوجيهًا لحياة المسلمين.
ويتناول المجلد الثاني مكانة الفرد والمجتمع في الإسلام، للتحديات الناجمة عن مواجهة التقاليد والحداثة في قلب المجتمعات الإسلامية، ويقدم حقائق تاريخية لإظهار القواعد والعلاقة المتبادلة بين الفرد والمجتمع في الثقافة الإسلامية.
ويستعرض المجلد الثالث انتشار الإسلام في جميع أنحاء العالم، ويحلل انتشار الإسلام ويظهر كلاً من تنوعه وعالميته وكذلك الطريقة التي “استوعب بها” العالم.
ويستكشف المجلد الرابع (الجزء الأول والثاني) العلوم والتكنولوجيا في الإسلام، ويتناول المساهمة المهمة للحضارة الإسلامية في المجالات العلمية والتكنولوجية.
ويوضح هذا المجلد كيف تم إثراء العلوم المختلفة خاصة التي تطورت خلال العصر الإسلامي، وكيف نقلت إلى الثقافات المختلفة من قبل العلماء المسلمين. كما يوفر فهرسًا شاملاً للتقدم العلمي الذي حققته.
ويدرس المجلد الخامس الثقافة والتعلم في الإسلام، والبيئات التربوية والثقافية للحضارة الإسلامية، ويلقي الضوء على بعض مظاهر الإسلام في مجالات اللغة والأدب والفلسفة والتصوف والعلوم الإنسانية والفن.
يلقي المجلد السادس، الإسلام في العالم اليوم، الضوء على ديناميكيات وممارسات المجتمعات الإسلامية في المجتمعات المعاصرة في جميع أنحاء العالم، من خلال توفير تحليل دقيق لخصائصها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتعليمية.
وتم إطلاق مشروع “الحوار بين الثقافات والأديان” من قبل اليونسكو في عام 1977، وهو نتاج عمل تم الاضطلاع به على مدار 40 عامًا تحت إشراف لجنة علمية ومنظور تعددي ويشمل إصدارات عن تاريخ الإنسانية وتاريخ أفريقيا والبحر الكاريبي وأميركا اللاتينية وحضارات آسيا الوسطى وغيرها.
ويوفر المشروع معرفة فريدة بالتنوع الإبداعي والتعقيد للثقافة الإسلامية ويسلط الضوء على مساهمتها الأساسية في تقدم البشرية، ومن خلال الجمع بين وجهات النظر الأكاديمية المتنوعة حول الثقافة الإسلامية، يساهم بقوة في النقاش العالمي حول الإسلام ويتحدى العديد من التحيزات والتفسيرات الخاطئة، كما تقول اليونسكو.
اليوم العالمي للفن الإسلامي
وكان بيان المنظمة الأممية الذي دشن “اليوم العالمي للفنون الإسلامية” في 2020 قد أفاد بأنه وفق قرار مؤتمرها العام الـ 40، تقرر الاحتفال عالميا بذلك اليوم كل عام بمجموعة من الفعاليات. وأوضحت مديرة المنظمة الأممية بالمناسبة الأولى لهذا القرار أن هذه الخطوة تهدف إلى إيجاد الوعي بشأن الجانب الفني والحضاري للإسلام، وإسهام الثقافة في الحضارة.
ودعا البيان الجميع إلى تقديم الإسهامات في “اليوم العالمي للفن الإسلامي” في حين قالت أوزولاي “فليكن إذن هذا اليوم مناسبة لنتمتع معًا بهذا الفن الذي يستمد إلهامه من روحانيته الخصبة، والذي يعبر عن نهج مميز لرؤية العالم والإحساس به وفهمه”.
وأضافت -في بيانها السابق- أن إعلانهم يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني “اليوم العالمي للفن الإسلامي” يأتي في إطار الاحتفال بـ “الإرث غير العادي والمتوزع على 14 قرنا”.
وأردف البيان “ثراء الفن الإسلامي أيضا في تنوعه سواء من حيث التقنيات والأشكال أو الزمان والمكان، وهو يأخذ المهتمين به في رحلة استكشاف لتاريخ مفعم بالمبادلات والاتصالات، والتأثير والتأثر، على الدروب الممتدة من أوروبا إلى أفريقيا ومن حوض البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الهندي” وشددت على ضرورة التعرّف عن قرب على تاريخ الفن الإسلامي.
وعدّ بيان أوزولاي أن اليونسكو تود -في ظل انتشار ظواهر الانكفاء على الذات والتطرف المدمر الذي يتضرر منه المسلمون ويؤذيهم مثلما يؤذي بقية سكان العالم- التذكير بإيمانها العميق بأن التعرف على ثقافة ما وفهمها، بما تنطوي عليه من ماض زاخر وحاضر نابض، يمثلان اعترافًا بها وبقيمتها العالمية.
وكالات