تنوعت أساليب الأدب العربي وكان لكل منها طابع مميز في التعبير والتصوير والبلاغة، ومنها فن النوادر الذي ظهر إلى جانب الشعر العربي القديم، وكان واحدا من الأساليب التي انبرى الكتاب والنقاد لدراستها، وهو ما تحدث به أستاذ اللغة العربية في عدد من الجامعات السورية الدكتور أحمد دهمان في محاضرة استضافها فرع اتحاد الكتاب بحمص بعنوان “فن النوادر في الأدب العربي.. جحا نموذجا”.
وتقول بعض المصادر التاريخية إن جحا هو شخصية خيالية من التراث الشعبي في الكثير من الثقافات القديمة، ونسبت إلى شخصيات عديدة عاشت في عصور ومجتمعات مختلفة.
وفي الأدب العربي، نسبت شخصية جحا الشهيرة إلى أبي الغصن دُجين الفزاري الذي عاصر الدولة الأموية. وهو أقدم شخصيات جحا وإليه تنسب النكات العربية. أما في الأدب التركي، فنسبت قصص جحا من إسطنبول إلى الشيخ نصرالدين خوجه الرومي الذي عاش في قونية معاصرا الحكم المغولي لبلاد الأناضول. وجحا هو رجل فقير كان يعيش أحداث عصره بطريقة مختلفة ويتماشى مع تلك الأحداث شبه الحقيقية، فقد كان يتصرف بذكاء كوميدي ساخر وانتشرت قصصه ومواقفه التي كان يتعامل معها في حياته اليومية، وكانت تنتقل في البداية شفهيا ثم صارت من أشهر نوادر الأدب العربي، ونتج عن ذلك تأليف الكثير من الأحداث الخيالية حوله. ويعدّ الجاحظ (775 – 868م) من أشهر مؤلفي أدب النوادر، كانت كتاباته على اختلاف مواضيعها لا تخلو من الهزل والتهكم.
واستهل دهمان المحاضرة بالحديث عن نشأة فن النادرة كاستجابة للظروف التي عانى منها العرب خلال العصور الإسلامية الأولى، فكانت النادرة جزءا مهما من الفنون النثرية إلى جانب الشعر، وكان من أشهر فرسانها جحا العربي الذي اختلفت الروايات في تحديد شخصيته والزمن الذي عاش فيه بدقة، غير أن الدارسين توصلوا إلى أن النوادر طرائف عربية رويت في القرن الرابع الهجري ونسجت حول شخصية أبي الغصن دجين بن ثابت الملقب بـ”جحا”، مستندين في ذلك إلى مدونات ابن الجوزي وابن حجر والجاحظ.
ووفقا لمواقع إعلام عربية،استعرض دهمان خصائص النوادر الجحوية من حيث اشتمالها على ضروب التعبير الشعبي الفكاهي بغض النظر عن أنواعها، سواء كانت حكاية مرحة أو نكتة ساخرة أو لغزا أو مفارقة أو كاريكاتورا، وجميعها ذات هدف واحد هو الإضحاك.
كما أن النوادر تلبي احتياجات نفسية ودوافع خفية تنشأ من إحساس الإنسان بعقبات تحول دون تحقيق رغبته الكاملة، فهي تعبير عن رأي الجماعة والتخفيف عن مآسيها.
وأضاف أن من خصائص النادرة الجحوية أيضا أنها تعتمد على عنصر التطوير والحركة، وغالبا ما تقوم على عنصرين متباينين كالموت والحياة والخيانة والأمانة وغيرها، ثم إنها تتسم بالبساطة وعدم التعقيد اللغوي والابتعاد عن الأسلوب الخطابي والوعظ المباشر، لأنها نابعة من أوساط اجتماعية عفوية فهي تعبير عن الوجدان الشعبي.
وخلص إلى أن النادرة هي جنس أدبي لا ينتمي إلى إطار زماني ومكاني محددين، وتعالج موضوعات إنسانية عامة، جعل انتقالها من بيئة إلى أخرى أمرا سهلا وشائعا، مع عناية دقيقة بتصوير الواقع بعفوية وتلقائية.