أحد أركان الإستراتيجية السعودية في التعامل مع اليمن على مر العقود، هو الإفقار والتجويع، سواء في أوقات الحرب أو السلم. وهي استراتيجية تنفذ بوسائل وآليات مختلفة، بدأت بالسيطرة المباشرة على أقاليم يمنية وضمها إلى المملكة، والسيطرة غير المباشرة بوسائل مختلفة لحرمان اليمنيين من استغلال ثروات أرضهم، مرورا بالتضييق على المغتربين.
سياسة التجويع السعودية بلغت ذروتها خلال العقد الأخير من خلال التحكم في مرتبات الموظفين ـ مدنيين وعسكريين ـ.
عام 2014، حاول النظام السعودي عبر أدواته في السلطة استخدام الراتب كسلاح تجويع وأداة لإلهاء الشعب اليمني، بما يسمح بتمرير المخططات السياسية وتحويل مؤامرات الخارج واطماعه التي جرى يمننتها في كواليس موفنبيك إلى قوانين ومبادئ دستورية ملزمة في غفلة من الشعب.
حينها، أعلن مسؤولون في حكومة خالد بحاح في أكثر من مناسبة، عدم قدرة الحكومة على دفع مرتبات الموظفين. وكان الجدل يدور فقط حول ما إذا كان العجز سيبدأ في الأشهر الأخيرة من ٢٠١٤، أم من يناير ٢٠١٥.
وقد شارك المبعوث الدولي السابق إلى اليمن، جمال بنعم، في تكرار نفس التوقعات في أكثر من تصريح، وكان بمثابة مكبر صوت لتلك التحذيرات كي يتم آخذها على محمل الجد.
وفي مقال لوزيرة الإعلام آنذاك، نادية السقاف، نشر في صحيفة الجمهورية، أوشكت السقاف أن تختتم مقالها بجملة “لله يا محسنين” لكنها استبدلتها بـ” السعودية لن تتخلى عنا”.
المثير أن تلك التحذيرات والتوقعات جاءت في الوقت الذي كانت فيه الحكومة اليمنية تحظى بتأييد ودعم دولي لم تنله أي سلطة يمنية من قبل، وفي ظل سيطرة الدولة وإدارتها لكل ثرواتها ومواردها.
فما حقيقة تلك التحذيرات والتوقعات، ماهي أهدافها في تلك المرحلة، وما علاقتها بأزمة المرتبات الحالية؟!.
بمقارنة الأوضاع الاقتصادية الحالية بالتي كانت سائدة أواخر 2014 ، يمكن القول أن تلك التحذيرات كانت جزء من الخطة التي يسعى الخارج لتنفيذها، عبر حلفائه في السلطة ، وكان الراتب فيها، وسيلة ابتزاز وإلهاء لتمرير مخطط الأقلمة ومشروع الدستور بهدوء ودن ضجيج.
فحين تعجز الحكومة عن دفع الرواتب، وتتولى المملكة دفعها، سيلتزم الجميع الصمت ويحمدون الله والمملكة، ولن يجرؤ أحد على معارضة ما يتم الاتفاق عليه في كواليس الداخل والخارج. فهو بمثابة مريض، عليه أن يمتثل لما يقرره أطباء السياسة الخبثاء.
أحبطت ثورة 21 سبتمبر 2014 ذلك المخطط ، لكن تحالف العدوان بقيادة السعودية وحكومة المرتزقة الذين أعلنوا الحرب في مارس 2015 ، لجأوا إلى استخدام سلاح التجويع بقطع المرتبات في محاولة لدعم معركتهم العسكرية وفرض ما فشلوا في تحقيقه بالسياسة.
قطع المرتبات لم يقتصر على شريحة الموظفين في العاصمة صنعاء والمحافظات المحررة، بل يشمل أيضا ما يسمى “الجيش الوطني” الذي يحارب في صفوف تحالف الع]وان. فعلى الرغم من الموارد الضخمة في المحافظات المحتلة، تبدو مسألة دفع مرتبات أولئك الجنود شأن سعودي لا علاقة لحكومة المرتزقة بها.
تحولت مرتبات الجنود إلى مجرد “مكرمة سعودية” تمنح لهم متى شآءت الرياض وغرفة العمليات وبحسب التكتيكات والخطط العسكرية في الميدان. وعلى سبيل المثال، تم حرمان الميليشيات في ما يسمونها “المنطقة العسكرية الأولى” في سيئون من “المكرمة السعودية” وكان الشرط لاستلامها هو: الانتقال إلى مأرب.
وهذا يشير بوضوح إلى أن ورقة المرتبات ” سعودية ” يجري استغلالها في إطار معركة العدوان لفرض واقع سياسي وعسكري في اليمن.
“الراتب الذي تحول إلى مكرمة سعودية تمنح لفصيل ويحرم منها آخر، أدت مؤخرا إلى سقوط قتلى جرحى في صفوف الميليشيات المسماة بـ”الجيش الوطني” مع أن كلا الفصيلين يحرسان “الحد الجنوبي أكثر من حراسة الحد الشمالي” لكن غرفة العمليات السعودية لها أهدافها وأسبابها في المنح والحرمان.
قد تكون السعودية استفادت من ورقة المرتبات في المحافظات المحتلة، لكنها فشلت تماما في استخدامها بالمحافظات الحرة، ومع ذلك لا يزال النظام السعودي متمسكا بهذه الورقة، على الرغم من حاجته لتجديد الهدنة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة .
بين المخلافي وخلفان :
استمرار قطع المرتبات عن اليمنيين، واستمرار نهب ثرواتهم من قبل قوى العدوان الذي تقوده السعودية يجسد نموذج لا سابق له من الهمجية والظلم والعددان لم يشهد التاريخ نموذجا مشابها لمثل هؤلاء الغزاة والمحتلين واللصوص.
الغريب أن تتجاهل الأمم المتحدة ومبعوثوها ومنظماتها مثل هذه الحقوق، وأن يخضعوها للتفاوض والمبادرات والمغالطات والتسويف .
والأغرب من ذلك، هو مواقف بعض السياسيين اليمنيين، ممن خدعونا عقودا بشعارات القومية والسيادة والحرية كالناصري المخلافي، الذي اعتبر إصرار الوفد الوطني على “صرف المرتبات” كشرط لتجديد الهدنة، هو اعتراف من صنعاء بحكومة المرتزقة !!.
لا مشكلة لدى هذا السياسي في استمرار قطع المرتبات وتجويع الملايين من أبناء شعبه!.
إلى ماذا يستند هذا السياسي الغبي في موقفه؟! وهل بات هناك فرق بين مواقف ” المخلافي وخلفا “؟.
من صفحته على الفيس بوك