ثمة مواقف ومناسبات يقف المرء فيها حائراً، تخذله الكلمات، فلا يدري من أين يبدأ القول، وكيف يبدأ، ذلك ماحدث لي لحظة أن تلقيت نبأ وفاة القاضي علي أبوالرجال، هذه الشخصية التي لايساورني شك أن من عرفها واقترب منها لايملك إلا أن يقدرها وينزلها المكانة التي تليق بها.
القاضي علي أبوالرجال شخصية من الشخصيات القليلة القيِّمة التي غادرت واقعنا قبل أن تستنفذ دورها الإنساني والوطني والثقافي الذي اختطته برغبة وإخلاص منذ يفاعة عمرها في واقع ولحظة زمنية لم يزلا في مسيس الحاجة إليها.
التقيت القاضي علي أبو الرجال لأول مرة في منتصف عام ٢٠٠٣م في مكتبه في المركز الوطني للوثائق الذي تربع على قمة هرمه، حين ذهبت إليه محملاً بتوصية من أستاذي البروفيسور سيد مصطفى سالم طيب الله ثراه الذي كان يومها يشرف على رسالتي الماجستير، وكنت أعلم قبل ذلك بطبيعة العلاقة الحميمة التي تربط أستاذي بالقاضي علي أبوالرجال منذ أن وطأت قدما أستاذي أرض اليمن قادماً من موطنه الأول مصر للتدريس في جامعة صنعاء في العام ٧١م وبقائه في موطنه الثاني اليمن لما يزيد عن أربعة عقود، فقد شكَّلا – أي القاضي علي والبروف سيد – توأماً وثائقياً مميزاً إن جاز التوصيف، كانت أبرز مظاهر تلك التوأمة كتاب ” مجلة الحكمة اليمانية وحركة الإصلاح في اليمن ١٩٣٨- ١٩٤١م” الذي جمع مقالاته القاضي علي أبوالرجال وحرره أستاذي سيد مصطفى سالم، عزز هذه التوأمة رباط الصداقة الذي جمع بينهما والمترع بعبق الود والاحترام .
وحين دلفت من باب مكتبه، ذلك المكتب المضمَّخ بالنظارة والبهاء شاهدت أمامي شخصاً ذا سمت ووقار، يتحلى بقدر كبير من التواضع والمرونة ودماثة الخلق وجمال الروح، مضاف إليها سعة في أفق الوعي وعمق في الإدراك المعرفي، تجلت هذه السعة وذلك العمق في حديثه معي عن الأهمية العلمية والتاريخية للوثائق، كمورد أساسي من موارد الكتابة العلمية المنهجية السليمة، وهو الأمر الذي سهَّل مهمتي، ووفر لي الكثير من الجهد والوقت الذي كان يمكن أن أنفقه في التعريف بأهمية الوثيقة ودورها الأساسي في الصنعة التاريخية الثقافية والوطنية والقومية .
كان القاضي علي أبوالرجال أباً وصديقاً وزميلاً لمن قصده من الباحثين، الذين لم يضُن عليهم بما تتطلبه بحوثهم ودراساتهم التاريخية من الوثائق المتعددة المنابت والأغراض .
أثمرت زياراتي ولقاءاتي المتكررة للمركز الوطني للوثائق تكوين صورة جميلة دافئة عن القاضي أبوالرجال، تعززت أكثر بما شهدته شخصياً وسمعته عن تعاونه اللامحدود مع الباحثين وتلبيته دعواتهم في حضور مناسباتهم وفعالياتهم العلمية بحب وتواضع جم.
رحمة الله تغشاه وطيب الله ثراه.