معتز جميد
الشاعر الوحيد الذي يمكننا وضعه إلى جانب السياب، في الشعر العراقي، هو مظفر النواب.
لماذا؟
كان النواب (آدم) محكيتنا العراقية، كما كان السياب آدمها في الطرف الآخر.
منهما، ابتدأت حكاية جديدة استردت بها اللغة جمالها وسحرها الآفلين.
مهمة أحدهما، كانت، أصعب، من مهمة الآخر؛ هذا مثقل بقرون من فصيح القول الواثق من نفسه، رغم ميتاته السريرية. وذاك مثقل بعبء لسان لا صوت له. أعطى النواب لمن لا صوت لهم صوتاً حياً مديداً مدى الدهر. آدم محكيتنا أسمعنا كلاماً لا عهد لنا به من قبل، أليس هو القائل بمحكية ظنناها ميتة، فلكلورية، متحفية:
ثيابي عليّ غربة
قبل جيتك
ومستاحش من عيوني»
هذا شعر لا يقوله إلا شعراء من طراز لوركا والمتنبي والسياب في أفضل حالاتهم… شعر لا يقال بطريقة آخرى غير الطريقة التي قيل بها. من هنا عبقرية النواب.
ولأنه آدم، فقد احتفظ شعره بعذرية من اكتشف الأشياء أول مرة؛ نعم؛ جاء من بعده وبتأثيره، شعراء كبار، بما لا عهد لنا به، من قبل، لكن ما جاء به له بكورة الدهشة الأولى. شعره يتجدد مع كُلّ شاعر يولد، في قصيدة جديرة باسمها. ولأنه شاعر محكية، فقد كانت مهمته أصعب، إن جاز لنا القول؛ إذ كُلُّ مفردةٍ، فيها، هي ما يردده الناس ملايين المرات في اليوم الواحد، كيف له أن ينتشلها، من طين استخدامها اليومي دون أن تفقد رائحة الطين؟
من طينها أم وحلها؟
شاعر من طراز بودلير وحده له حق الإجابة على سؤالٍ كهذا.
ثم جاء ملحنو أرض السواد ومغنوها، ليكملوا فتنة القول الذي ما جاء به قبله، أحد في العالمين. هكذا اكتملت دائرة السحر الحلال في حناجر الناس، وفي ضمائرهم، من أقصى البلاد إلى أقصاها. ولأنه غريبٌ كنبي مخذول، فقد وجد في فلسطين ضالته الأخيرة، إليها انتهت ناقته… ناقة العربي الآخير.
للنواب موعد مع فلسطين لا يخلفه الفلسطينيون، ولن.
كان شعره بصقة في وجه من باعها واشترى في السوق.
في وجه كُلِ من باع واشترى.