وكالات:
زيارة جو بايدن إلى الأولى إلى آسيا وقمة “كواد” تسببت في إثارة حفيظة الصين؛ لتشهد المنطقة أجواء مشابهة لتلك التي سبقت الهجوم الروسي على أوكرانيا، فما قصة التجمع الآسيوي الذي تراه بكين استفزازاً أمريكياً؟
شبكة CNN الأمريكية رصدت قصة التجمع الرباعي في تحليل عنوانه “الصين حذرة من تحالف كواد”، رصد التأثيرات الخطيرة الناتجة عن التجمع الرباعي ورد فعل الصين، إضافة إلى المقارنة بين “كواد” وحلف الناتو وأوكرانيا من جهة وتايوان من جهة أخرى.
ماذا تعني “كواد”، ومن أطرافها؟
“كواد” تعني الرباعية، والأطراف الأربعة هنا هي الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، وفي أواخر عام 2017 تم إحياء الحوار غير الرسمي بين الحلفاء الأربعة لأول مرةٍ بعد انقطاعٍ دام لحوالي عقدٍ كامل، وكانت الصين واثقة من فشله في القريب العاجل.
إذ قال وانغ يي، وزير الخارجية الصيني، في مطلع 2018 بعد أشهر من عقدهم أول اجتماع عملٍ في العاصمة الفلبينية مانيلا، وفي تصريح يعرب عن استنكاره المجموعة: “يبدو أنه ليس هناك شح قط في الأفكار التي تجتذب العناوين الرئيسية. إنها مثل زبد البحر في المحيط الهادئ أو المحيط الهندي: قد تلفت الانتباه، لكنها سوف تزول قريباً”.
وبعد أكثر من 4 سنوات، صار الحوار الأمني الرباعي -الذي يشتهر باسم “كواد”- أبعد ما يكون عن الزوال. وبدلاً من ذلك، اكتسب زخماً ونفوذاً وقوةً.
قادة الدول الأربعة التقوا، الثلاثاء 24 مايو/أيار، وجهاً لوجه في العاصمة اليابانية طوكيو، وتسلط قمتهم الضوء على أول رحلة للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى آسيا، منذ أن صار رئيساً للولايات المتحدة، في ظل مساعيه لتعزيز التحالفات والشراكات للتصدي لنفوذ الصين المتنامي في المنطقة.
وبسبب هذا النشاط المتجدد، تحول ازدراء الصين إلى حذرٍ، في حين أن الصين ترى التجمع جزءاً من محاولة واشنطن تطويق البلاد عن طريق التحالفات الاستراتيجية والعسكرية. أدان وانغ، وزير الخارجية الصيني، بشدةٍ هذا التجمع ووصفه بأنه “ناتو بمنطقة المحيطين الهادئ والهندي”، متهماً إياه بأنه “قرع طبول عقلية الحرب الباردة”، ويسعى لـ”تأجيج الخصومة الجيوسياسية”.
وقد زاد هذا القلق منذ الأزمة الأوكرانية. مع تزايد عزلة الصين بسبب عدم إدانتها الهجوم الروسي، وبسبب القيود الصارمة التي تفرضها الصين بسبب فيروس كورونا.
في حين أن بايدن يسافر حول العالم لتعزيز العلاقات، لم يغادر نظيره الصيني شي جين بينغ الصين منذ 25 شهراً. وتسبب النشاط الدبلوماسي لبايدن، الذي شهد توقفاً في كوريا الجنوبية واليابان، في إزعاج بكين على نحو خاص.
بايدن في زيارته الأولى لآسيا
قال وانغ الأحد 22 مايو/أيار، إبان اختتام بايدن رحلته إلى سيول وتوجهه إلى طوكيو: “استراتيجية منطقة المحيط الهادئ- الهندي التي تعدها الولايات المتحدة، باسم “الحرية والانفتاح”، هي في الواقع تستهدف تشكيل عُصبات”.
وأضاف: “إنها تدَّعي أنها تستهدف “تغيير البيئة المحيطة بالصين”، لكن هدفها هو احتواء الصين وجعل بلاد منطقة المحيط الهادئ- الهندي “قطع شطرنج” على رقعة الهيمنة الأمريكية”.
غير أن الخبراء يشددون على أن تحالف كواد ليس ناتو آسيوياً ولا يطمح إلى أن يكون كذلك. وبدلاً من ذلك يقولون إن مرونته بوصفه منتدى غير رسمي، تسمح له بناء مزيد من الشراكات وتوسيع مجالات التعاون، ومن بينها الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، التي يُتوقع أن يطلقها بايدن في طوكيو.
قالت كريستي جوفيلا، نائبة مدير برنامج آسيا لدى المؤسسة الفكرية صندوق مارشال الألماني (GMF)، للشبكة الأمريكية: “يحاول تحالف كواد التأكيد على أنه يحمل أجندة إيجابية، وهي أكثر بكثير من مجرد الوفاء بمتطلبات منطقة المحيط الهادئ والهندي، أمام (الادعاءات) بأنه كيانٌ مُعادٍ للصين على شاكلة الناتو، وهي سمعة يحاول (التحالف) التصدي لها بقوةٍ في المنطقة”.
القوة الدافعة لتحالف كواد
تغيرت الحسابات الجيوسياسية والاستراتيجية تغيراً جذرياً خلال العقد الماضي. تخلت الصين في ظل حكم الرئيس شي جين بينغ عن شعار الزعيم الصيني السابق دينغ شياو بينغ “أخف قواتك، وتريث”، الذي استمر لعقود. وبدلاً من هذا، سعت وراء سياسة خارجية أشد حزماً، واستعرضت بسهولة قوتها الاقتصادية والعسكرية.
خلال حكم شي، صعّدت الصين مواقفها العسكرية تجاه اليابان، وأرسلت خفر السواحل نحو المياه المحيطة بجزر سينكاكو (التي تعرف في الصين بجزر دياويو) وحلقت بطائرات حربية فوق المجال الجوي لهذه الجزر.
وفرضت الصين عقوبات تجارية على أستراليا بعد أن طالبت كانبرا بإجراء تحقيق مستقل حول منشأ مرض كوفيد-19. كذلك شهدت حدودها مع الهند عند جبال الهيملايا اشتباكات مع الجنود الهنود، كانت الأشد دموية منذ أربعة عقود.
قادت تلك التوترات هذه البلاد نحو فلك واشنطن، التي جعلت الخصومة الاستراتيجية مع الصين في ظل حكم الرئيس بايدن، حجر الأساس لسياستها الخارجية.
قالت يوكي تاتسومي، المديرة المشاركة في برنامج شرق آسيا في مؤسسة مركز ستيمسون الفكرية: “الدافع الأكبر وراء إحياء تحالف كواد هو تزايد فرض الذات والعدوانية من جانب للصين”.
وأضافت: “إن سلوكها، ليس فقط في بحري الصين الجنوبي والشرقي، بل أيضاً في المحيط الهندي وصولاً إلى منطقة جزر المحيط الهادئ، نتج عنه تقارب التصور الذي تحمله دول تحالف كواد للصين”.
في الوقت الذي ابتعدت فيه بكين أكثر فأكثر عن الغرب وحلفائه، اقتربت من موسكو. لكن شراكتهما التي “ليس لها حدود” صارت تمثل عائقاً بالنسبة للصين، نتيجة الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه عملية عسكرية خاصة ويصفه الغرب بأنه غزو.
قالت يوكا لشبكة CNN: “دعم بكين لموسكو أكد مرةً ثانيةً على صورة الصين بوصفها المعرقلة للنظام الدولي القائم الذي استفادت منه دول هذه المنطقة، ولا تزال تستفيد منه”.
صحيحٌ أن تحالف كواد لم يذكر قط الصين صراحةً، ولكن يصعب عدم استيعاب الإشارات التي تستتر بأوراق الشجر. في سبتمبر/أيلول الماضي، عندما التقى قادة الدول الأربعة وجهاً لوجه في واشنطن، التزموا بـ”تعزيز النظام الحر المنفتح المستند إلى القواعد، والمتجذر في القانون الدولي غير الآبه بالإكراه”، وهو توبيخ واضح لسلوك الصين متزايد العدوانية في المنطقة.
ورداً على ذلك، انتقد الدبلوماسيون الصينيون أكثر من مرة تحالف كواد لـ”زعزعته السلام والاستقرار في المنطقة”. في مارس/آذار، قال نائب وزير الخارجية الصيني، له يو تشنغ، إن بناء “دائرة صغيرة حصرية ومغلقة أو مجموعات، هو بنفس درجة خطورة استراتيجية الناتو الرامية إلى التوسع شرقاً في أوروبا”.
وأضاف: “إذا سُمح بمرورها بلا ضوابط، سوف تجلب عواقب لا يمكن تخيلها، وتدفع في النهاية منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى حافة الهاوية”.
ليس “ناتو” آسيوياً
يقول الخبراء إن استجابة الناتو السريعة والمنسقة لهجوم روسيا ضد أوكرانيا أثارت قلق بكين، ويشير هؤلاء إلى أن قادتها يشاهدون ردة فعل الغرب تجاه أوكرانيا وهم يضعون تايوان في حسبانهم.
كانت الصين وتايوان قد انفصلتا خلال حرب أهلية في الأربعينيات، وتعتبر تايوان نفسها دولة ذات سيادة وتحظى بدعم أمريكي وغربي، لكن بكين لا تزال تصر على أنه ستتم استعادة الجزيرة في وقت ما، وبالقوة إذا لزم الأمر. ولا يعترف بتايوان سوى عدد قليل من الدول، إذ تعترف معظم الدول بالحكومة الصينية في بكين بدلاً عن ذلك. ولا توجد علاقات رسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، ولكن لدى واشنطن قانون يلزمها بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها.
وفي هذا السياق، تنظر الصين إلى النظام الديمقراطي ذاتي الحكم في تايوان على أنه محافظة صينية منفصلة، ولم تستبعد استخدام القوة لتحقيق الوحدة، ووصلت التوترات بين بكين وتايبيه إلى ذروتها منذ عقود، في ظل إرسال الجيش الصيني عدد قياسي من الطائرات الحربية بالقرب من الجزيرة، في استعراض للقوة لا يخفى على دول المنطقة الأخرى.
عندما اجتمع قادة تحالف كواد في مارس/آذار للحديث عن الأزمة الأوكرانية، اتفقوا على أن “التغيرات الأحادية في الوضع الراهن باستخدام القوة، لا يجب أن يُسمح بها في منطقة المحيطين الهادئ والهندي”.
لكن جان بيير كابيستان، خبير السياسات الصينية لدى جامعة هونغ كونغ المعمدانية، شدد على أن تحالف كواد ليس تحالفاً رسمياً مثل منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وأوضح: “لا يمكن أن يكون ناتو آسيا. إن ما تؤسس أمن المنطقة هي مجموعة من التحالفات الثنائية التي توصلت إليها الولايات المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية، مع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والفلبين. ومن ثم ليس هناك شيء مثل الناتو في شرق آسيا”.
وعلى عكس اليابان وأستراليا، ليست الهند حليفة للولايات المتحدة؛ فهي تتبنى منذ استقلالها تقليد سياسة خارجية قائماً على عدم الانحياز.
ثمة اختلافات هيكلية أيضاً؛ إذ يقول الخبراء إن السنوات الأخيرة شهدت ابتعاد تحالف كواد عن أي تركيز معلن على القضايا الأمنية، بهدف ضم مزيد من مجالات التعاون، في محاولة للوفاء بمتطلبات المنطقة بصورة أفضل.
خلال رحلته إلى طوكيو، من المتوقع أن يكشف بايدن عن الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي خطةٌ طال انتظارها تستهدف زيادة المشاركة الاقتصادية الأمريكية مع المنطقة. ويقول الخبراء إن إطار العمل يمكنه أن يولد الزخم للتعاون الاقتصادي الأوثق بين دول تحالف كواد، مثل التعاون على صعيد البنية التحتية ومرونة سلاسل الإمداد.
تنظر بكين، بطبيعة الحال، إلى هذه الجهود على أنها تحدٍ مباشر، وقال وانغ الأحد 22 مايو/أيار إنه في حين أن الصين تسعد دائماً بمشاهدة مقترحات تفضي إلى التعاون الإقليمي، فإنها تعارض المحاولات لخلق الانقسام في المنطقة. “أي طرف يحاول عزل الصين بإطار عمل ما، سوف يعزل نفسه فحسب. القواعد المبنية لإبعاد الصين حتماً سوف يجري التخلي عنها عن طريق التطورات في عصرنا”.
لكن تحالف كواد سوف يحتاج إلى إظهار قدرته على الوفاء بوعوده، إذ إن المحاولات الأمريكية السابقة لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع المنطقة، مثل الشراكة العابرة للمحيط الهادئ، قد تعثرت ومن ثم سوف تحتاج الولايات المتحدة إلى إقناع الحلفاء والشركاء المحتملين إنها سوف تحافظ على التزاماتها تجاه المنطقة بعد ولاية بايدن، بحسب تحليل CNN.
قالت سوزانا باتون، الزميلة الباحثة لدى معهد لوي في سيدني، للشبكة الأمريكية، إن تحالف كواد تجاوز بالفعل توقعات كثير من المحللين. وأوضحت: “يعد تحالف كواد أداة (لأعضائه) من أجل عرض رؤية مختلفة للطريقة التي يجب أن تعمل بها المنطقة، ولإرسال رسالة إلى بكين مفادها أنها لن تدير الأمور بالطريقة التي تريدها في كل الوقت”.
وأضافت قائلة: “بالنسبة للمستقبل، سوف تعتمد طريقة تطور الأمور بدرجةٍ كبيرةٍ على سلوك الصين. إذا واصلت الصين تقويض المعايير الإقليمية وأكرهت البلاد الأخرى، فسوف يستجيب تحالف كواد”.