يدخل كتاب «العقد الفريد» لابن عبد ربه ضمن الأعمال الموسوعية في التراث العربي، فنرى فيه الثقافة العربية الدينية واضحة، والثقافة الأدبية واضحة أيضاً، ويعكس هذا الكتاب ميلاً واضحاً لدى مؤلفه إلى الغناء والموسيقى، فقد ولد ابن عبد ربه سنة 246 هجرية، ونشأ بقرطبة في الأندلس، وتثقّف ثقافة عصره من فقه وتفسير وحديث ونحو وعروض وتاريخ وأدب، وقد اتصف بصفات الندماء من حب للموسيقى وغرام بالصوت الحسن، وهذا ما ظهر في كتابه «العقد الفريد». فقد كان ابن عبد ربه ملازماً لأمير قرطبة، ومدحه بمدائح عدة، وقد توفي سنة 327 هجرية عن عمر يناهز الثمانين.
تصوَّر المؤلف كتابه عقداً من العقود التي تتحلى بها النساء على صدورهن، وهو مؤلف من خمس وعشرين جوهرة كريمة، فعقده منظوم من جواهر كريمة، وفيه من كل صنف: جوهرتان متقابلتان إلا الواسطة، وهو خيال شاعري لطيف لم يسبقه إليه أحد، إلا أنه كما يبدو، لم يقف طويلاً عند اختيار اسم كل جوهرة، لتطابق أو تشبه كل موضوع، فمثلاً اللؤلؤة الأولى عن السلطان، والثانية عن الفكاهات والملح، وهو يقدّم لكل باب بمقدمة من إنشائه، ومن شعره إن وجد، ثم ينقل من أقوال وأشعار الآخرين، وأحياناً نراه ينقد ما ينقل، فنجد له آراء جيدة في النقد الأدبي، فيستحسن أو يستهجن أو يخالف الآخرين في آرائهم في أحسن بيت.
ويشرح المؤلف بأسلوبه المنهج الذي انتهجه في تأليف كتابه فيقول: «وقد ألفت هذا الكتاب وتخيرت جواهره من متخير جواهر الآداب، ومحصول جوامع البيان، فكان جوهر الجوهر ولباب اللباب، وإنما لي فيه تأليف الأخبار، وفضل الاختيار، وحسن الاختصار، وفرش في صدر كل كتاب، وما سواه فمأخوذ من أفواه العلماء، ومأثور من الحكماء والأدباء، واختيار الكلام أصعب من تأليفه».
ويقول: «تطلبت نظائر الكلام وأشكال المعاني وجواهر الحكم، وضروب الأدب ونوادر الأمثال، ثم قرنت كل جنس منها على جنسه فجعلته باباً على حدة، ليستدل الطالب للخبر على موضعه من الكتاب ونظيره في كل باب، وقصدت من جملة أخبار وفنون الآثار أشرفها جوهراً، وأظهرها رونقاً، وألطفها معنى، وأجزلها لفظاً، وأحسنها ديباجة وأكثرها طلاوة وحلاوة أخذاً بقول الله تبارك وتعالى: «الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه». وقد حذفت الأسانيد من أكثر الأخبار طلباً للاستخفاف والإيجاز، وهرباً من التثقيل والتطويل، لأنها أخبار ممتعة وكلم ونوادر لا ينفعها الإسناد باتصاله، ولا يضرها ما حذف منها».
ويقول ابن عبد ربه: «وقد نظرت في بعض الكتب الموضوعة فوجدتها غير متصرفة في فنون الأخبار ولا جامعة لجمل الآثار، فجعلت هذا الكتاب كافياً شافياً جامعاً لأكثر المعاني التي تجري على أفواه العامة والخاصة، وتدور على ألسنة الملوك والسوقة، وطبعت كل كتاب منها بشواهد من الشعر تجانس الأخبار في معانيها، وتوافقها في مذاهبها، وقرنت بها غرائب من شعري».