زيد المحبشي: سجلت سنوات العدوان تنامي مُرعب في معدلات انعدام الأمن الغذائي، ملايين اليمنيين مُعرضون لسوء التغذية والحرمان، 16 مليون يمني ويمنية ينامون جياع يومياً، 5 ملايين على بُعد خطوة واحدة من الموت جوعاً.
الجوع والعطش وسوء التغذية يلتهم كل الدقيقة 11 إنسان في هذا البلد المنكوب والمظلوم، وسنوات الجمر السبع أتت على حياة أكثر من 500 ألف يمني ويمنية، أنهكم الجوع والعطش والمرض واستل أرواحهم بلا رحمة.
ما الذي جلبه تحالف الأعراب لبلادي، غير الموت والفقر والخراب والدمار، عن أي حقوق إنسان تتحدث الأمم المتحدة ومنظماتها، وملايين اليمنيين مهددون بالموت جوعاً بسبب العدوان وحصاره الجائر، دون أن تُحرك هذه المنظمة الكسيحة ساكناً؟
المراحل ومخاضاتها:
كشفت دراسة عن انعدام الأمن الغذائي في اليمن، نشرتها وزارة التخطيط بصنعاء في أبريل 2019، عن حاجة 24.1 مليون يمني ويمنية للمساعدات، ومعاناة 20 مليون و100 ألف يمني من انعدام الأمن الغذائي، بمعدل “7 من كل 10” يمنيين تقريباً، و”1 من كل 2″، يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، وتحدثت عن 5 مراحل من التصنيف المرحلي المتكامل لضحايا انعدام الأمن الغذائي في اليمن خلال الفترة “ديسمبر 2018 – يناير 2019” كنموذج لحجم الكارثة العاصفة بهذا البلد المنكوب:
1 – الحد الأدنى: مع وجود المساعدات 5109500 يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بدون وجود المساعدات 3437000
2 – الشدة: مع وجود المساعدات 8875000، بدون وجود المساعدات 6323000
3 – الأزمة: مع وجود المساعدات 10879500، بدون وجود المساعدات 10239000
4 – الطوارئ: مع وجود المساعدات 4957000، بدون وجود المساعدات 9647000
5 – الكارثة: مع وجود المساعدات 63500، بدون وجود المساعدات 238000
لأول مرة صُنف 63500 شخص في المرحلة الخامسة، رغم وجود المساعدات الإنسانية، وارتفع العدد بدون المساعدات الى 238 ألف يمني، أي 4 أضعاف مقارنة بوجودها.
وتُعبِّر المراحل “3، 4، 5” عن انعدام الأمن الغذائي الحاد الشديد، وإجمالي من يعانون من انعدام الأمن الغذائي مع وجود المساعدات 53 % من السكان، أي 15.9 مليون يمني، وبدون وجود المساعدات الإنسانية 67 % من سكان اليمن، أي 20.1 مليون يمني بحاجة لمساعدات إنسانية عاجلة.
21000000– 24300000 مليون، بواقع 70 – 80 % من سكان اليمن، بحاجة لمساعدة إنسانية، ويواجهون خطر المجاعة، وفقاً للبنك الدولي، 4 أغسطس 2021، والمتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي “طومسون فيري”، 11 ديسمبر 2020.
16 – 18 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي، وينامون جوعى كل يوم، بينهم نحو 5000000 – 8400000 ملايين شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي الشديد/ الحاد، ويُصنّفون عالمياً في المرحلة الخامسة “الكارثة الإنسانية”، و3.6 ملايين يواجهون نقصاً طارئاً في المواد الغذائية، بحسب برنامج الأغذية العالمي، 10 فبراير 2021، ومنظمة “أوكفسام”، يوليو 2021.
ووفقاً لأحدث تقييم لتصنيف مرحلة انعدام الأمن الغذائي المتكامل التابع للأمم المتحدة، نُشر في فبراير 2021، يواجه 13.5 مليون يمني انعدام حاد في الأمن الغذائي، حيث تم تصنيف 16500 بالفعل على أنهم يعانون من الجوع المُؤدي للموت في ظروف مجاعة، وتضاعف هذا الرقم 3 مرات تقريباً ليصل إلى 47 ألف شخص في يونيو 2021، موزعين على 14 محافظة، من أصل 22 محافظة، تعاني مستويات أعلى من سوء التغذية والمجاعة.
وتوقع تصنيف صادر عن منظمة الأغذية والزراعة، واليونيسف، وبرنامج الأغذية العالمي في 22 يوليو 2020، حصول زيادة مُقلقة للغاية في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، أي في مرحلة الأزمة ومرحلة الطوارئ.
وارتفع عدد السكان الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد خلال الفترة “فبراير – أبريل 2020 – يوليو – ديسمبر 2020″، من 2 مليون إلى 3.2 مليون شخص، بزيادة من 25 % إلى 40 % من السكان.
واستند التصنيف على بيانات تمّ جمعها في مارس 2020، من 133 منطقة في 13 محافظة جنوب اليمن، فضلاً عن استعراض محركات الجوع وآثارها في هذه المناطق خلال الفصل الثاني من عام 2020.
وصُنفت 49 مديرية من أصل 333 مديرية على مستوى اليمن في المرحلة الرابعة، و25 مديرية في المرحلة الخامسة مع وجود المساعدات، وبدون المساعدات صُنفت 190 مديرية في المرحلة الرابعة، و45 مديرية موزعة على 13 محافظة في المرحلة الخامسة.
والمحافظات الأشد تأثراً من انعدام الأمن الغذائي: حجة وعمران وصعدة والحديدة وتعز وعدن والضالع ولحج والجوف ومدينة صنعاء، والتي تمثل أكثر من نصف حالات سوء التغذية الحاد في العام الجاري 2021.
وفي تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في نوفمبر 2021، تحدثت أرقامه عن معاناة 40 % من السكان على الأقل في 12 محافظة يمنية من الاستهلاك غير الكافي للأغذية، من بينها 5 محافظات يتكبد 20 % من سكانها على الأقل من الاستهلاك الغذائي الضعيف بصورة كبيرة، هي الضالع والجوف وعمران ولحج وريمة، في الربع الثالث من عام 2021، بينما من المتوقع تعديل مستويات الأمن الغذائي في محافظة الجوف من الحد الأعلى من المخاطر إلى حالة “الإنذار”، ومن المتوقع أن يتدهور الوضع في أربع محافظات من الحد الأدنى من المخاطر إلى حالة “الإنذار”، هي البيضاء وحضرموت والمهرة وسقطرى.
وأظهرت المسوحات الميدانية أن ثلث الأسر تقريباً تعاني من فجوات في نُظمها الغذائية، وتكاد لا تستهلك أي أطعمة من البقوليات والخضراوات والفاكهة ومنتجات الألبان واللحوم.
وتُؤكد المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، “بابار بالوش”، في بيان لها بتاريخ 11 ديسمبر 2020، انتشار انعدام الأمن الغذائي في مناطق النزاع التي يُقيم فيها نصف النازحين البالغ عددهم 4 ملايين، ويعيش هؤلاء داخل 16 محافظة وحولها، ومن أكثرها تأثراً بانعدام الأمن الغذائي الحاد: مأرب والبيضاء وأبين وتعز وحضرموت والجوف، كما دفعت الحرب “1 من بين كل 8” يمنيين للنزوح.
هذه الأرقام العالية والحرجة، وضعت اليمن في المركز الأول على خارطة أزمات الغذاء في العالم، وعكست الشدة العالية جداً لانعدام الأمن الغذائي بين الفئات السُكانية، التي باتت تُقاسي الجوع، وغير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الأساسية.
وهذا يعني ببساطة وقوف اليمن اليوم على “حافة أزمة كُبرى على صعيد أمنه الغذائي”، وفقاً للسيدة “ليزغراندي”، 22 يوليو 2020، كما يعني أيضاً أن العام الجاري 2021 أسوأ أعوام العدوان السبعة على الأكثر ضعفاً.
المحرّكات والأسباب:
تسببت العديد من العوامل في قذف اليمن في مستنقع انعدام الامن الغذائي، وتحويله الى مسرح مفتوح للهياكل العظمية المتحركة في العالم، محركها العدوان الظالم والحصار الجائر المفروض على هذا البلد المنكوب بمباركة هيئة الأمم وشرعنة دهاقنة الفيتو.
ومن أهم تلك العوامل التدهور الاقتصادي، والتضخم، وتراجع قيمة العملة اليمنية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، والمشتقات النفطية، والأدوية، واحتمالية نضوب احتياطات البلاد من العملات الأجنبية، وانخفاض مستوى الدخل والتداعيات الكارثية للحرب على الزراعة، وانهيار النظام الصحي، وفقاً لليونيسيف في بيان لها بتاريخ 22 يوليو 2020.
على سبيل المثال، فقدت العملة اليمنية خلال الفترة “15 ديسمبر 2019 – 15 يونيو 2020″، في المتوسط 19 – 40 % من قيمتها مقابل الدولار الأميركي.
وسجلت أسعار المواد الغذائية ارتفاع بنسبة تزيد عن 100 % منذ 2016 بحسب منظمة “أوكفسام”، 9 يوليو 2021، وأكثر من نصف الأسر يشترون المواد الغذائية بالدين، بزيادة قدرها 50 % تقريباً مقارنة بمستويات ما قبل العدوان، كما تسبب توقيف مرتبات الموظفين الحكوميين منذ سبتمبر 2016 في التأثير على 30 % من اليمنيين الذين يعتمدون على الرواتب الحكومية والمعاشات التقاعدية.
وتسبب العدوان في رفع معدلات الفقر من 49 % في العام 2014 إلى 62 – 78 % في العام 2016، وفقاً للباحثتين بمجلة “فورين بوليسي”، “جيني سوارز” و”إريكا فينثال” في مقال لهما نُشر في فبراير 2021 حول تداعيات حرب اليمن، وعجز ” 1 من كل 4″ أشخاص عن إيجاد عمل، ما يحد من قدرت اليمنيين على توفير الغذاء لأسرهم، وفقاً لمؤسسة “ماعت” للسلام والتنمية، أغسطس 2021.
وسجلت أسعار الوقود ارتفاع بنسبة 90 % على أساس سنوي، بحسب المؤشرات الأممية في يونيو 2021.
هذه الأمور مجتمعة حدة من قدرة المواطن اليمني على تنويع وجباته الغذائية، والتقليل من كمية الوجبات الى حد الضرورات فقط بما يسد الرمق، وعدم تناول البالغين الطعام من أجل إطعام أطفالهم، والاعتماد على أغذية أرخص أو أقل جودة، واكتفاء غالبيتهم بما يُبقيهم على قيد الحياة، ما تسبب في ضعف المناعة والإصابة بالهُزال والتقزم وسوء التغذية، وغيرها من الأمراض الفتاكة.
الآثار والتداعيات:
احتلت اليمن قبل العدوان العبري 26 مارس 2015، المرتبة 153 في مؤشرات التنمية البشرية، و138 في مؤشرات الفقر، و147 في متوسط العمر المتوقع، و172 في التحصيل العلمي، لتتراجع في العام 2020 الى المرتبة 179 من أصل 189 في مؤشر التنمية البشرية، أي لم يعد يفصلها عن المرتبة الأخيرة سوى 10 نقاط، وهذه النقاط بدأت بالاحتراق في العام الجاري 2021.
وتتحدث الإحصائيات الأممية عن وفاة ما يقرب من 250 ألف إنسان في اليمن خلال سنوات العدوان السبع، إما بشكل مباشر نتيجة القتال أو بشكل غير مباشر بسبب الافتقار إلى الغذاء والبُنى التحتية والخدمات الصحية، 60 % منهم أطفال دون سن الخامسة.
ويؤكد البروفيسور “محمد علي عوض الحرازي”، بأن الآثار الطويلة الأجل لهذا النزاع تجعله أكثر النزاعات تدميراً منذ نهاية الحرب الباردة.
وتشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن التنمية البشرية تراجعت في اليمن نتيجة الحرب إلى الوراء بحوالي 21 عاماً، ومن المتوقع أن تتراجع في العام 2022 إلى الوراء 26 عاماً، أي أكثر من جيل، وإذا طالت الحرب حتى العام 2030، فإن أثرها على التنمية سيمتد إلى ما يقرب من 40 عاماً.
كما بلغ عدد المصابين 6 ملايين إنسان بحسب ناطق وزارة الصحة بصنعاء، 26 يوليو 2019، ووفاة 500 ألف إنسان منذ بدء العدوان العبري بسبب الأمراض المزمنة وسوء التغذية واغلاق التحالف مطار صنعاء الدولي.
11 إنسان يموتون كل دقيقة في اليمن بسبب سوء التغذية والجوع، و16 مليون إنسان يمني ينامون جوعى كل يوم، بينهم نحو 5 ملايين شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي الشديد، بحسب برنامج الأغذية العالمي، 10 فبراير 2021، ومنظمة أوكسفام البريطانية، 9 يوليو 2020.
الأمم المتحدة وعلى مدى سنوات العدوان السبع اكتفت بالتسول باسم جياع اليمن، ولنا أن نتأمل فيما جمعته من أموال طائلة باسمنا، ونتألم من غيابها عن حياتنا ومعائشنا، وبحسب ما هو مُعلن فقد بلغ حجم التمويل الذي طالبت به المانحين خلال الأعوام “2017 – 2021” نحو 16.87 مليار دولار، وإجمالي تعهدات المانحين 8.43 مليار دولار، وإجمالي المبالغ الموردة فعلياً الى الخزائن الأممية 9.82 مليار دولار، منها 2.51 مليار في العام 2018، و3.64 مليار في العام 2019، و1.91 مليار في العام 2020، وفي العام الجاري 2021 أعلنت الأمم المتحدة عن حاجتها الى 3.85 مليار، في حين لم تتجاوز تعهدات الممولين 1.35 مليار دولار.
9.82 مليار دولار حصدتها الأمم المتحدة خلال الخمسة الأعوام الأخيرة من العدوان العبري “2017 – 2021” باسم جياع اليمن، هذه المبالغ كفيلة بإعادة اعمار كل ما دمرته الحرب وإشباع كل اليمنيين، لكن القسط الأكبر منها تبخر في بطون علوج تلك المنظمة المنزوعة الضمير والإنسانية والرحمة.
وما وصل اليمنيين فتات الفتات، من أغذية فاسدة وغير صالحة للاستخدام البشري في معظمها، وأدوية منتهية، ومشاريع وهمية لا تلامس جوعهم.
وتبقى أفاعيل وجرائم أعراب العاصفة في اليمن وصمة عار في جبين هيئة الامم ودهاقنة الفيتو والمجتمع الدولي وأدعياء حقوق الإنسان وإخوة الدم والدين في محيطنا العربي والإسلامي لعقودٍ قادمة.