وكالات:
من الشيخ جراح إلى قبر يوسف يحاول المستوطنون ولا يزالون بذل ما في وسعهم، يثيرون فوضى على نطاق واسع، يريدون أن يجبروا حكومة الاحتلال الإسرائيلي على منحهم مساحات أكبر على حساب الفلسطينيين.
مواجهات مستمرة كان آخرها ليلة الـ27 من أغسطس/آب 2021، حين تعرّض المستوطنون لكمين نصب إليهم أثناء توجههم للقبر لإقامة صلوات تلمودية أوقعت عدة إصابات في صفوفهم، بعد رشق متظاهرين فلسطينيين لمركباتهم بالحجارة وقنابل المولوتوف، ما دفع بالجيش لإرسال تعزيزات عسكرية لاعتقال المتورطين في هذه الحادثة.
على إثر ذلك دعا ما يسمى بالرئيس التنفيذي لمجلس مستوطنات الاحتلال في الضفة الغربية “يغال دلموني” إلى إقامة مستوطنة دائمة في مدينة نابلس، بالقرب من ضريح “قبر يوسف” للتسهيل على الحجاج اليهود إقامة شعائرهم الدينية، دون الاضطرار لإجراء تنسيق مسبق مع الجيش، وتفادياً لوقوع أي إصابات أو قتلى في صفوف اليهود، مقترحاً استنساخ النموذج الاستيطاني في الخليل، بإقامة بؤر دائمة في منطقة قبر يوسف كما هو الحال في منطقة الحرم الإبراهيمي.
قبر يوسف.. القصة الكاملة
يقع قبر يوسف المتاخم لمخيم بلاطة شرق نابلس، في منطقة خاضعة للسلطة الفلسطينية، ويبعد عن مركز المدينة مسافة 1 كيلومتر، ورغم أن مدينة نابلس مصنفة إدارياً ضمن المناطق (أ)، التي تخضع للحكم المدني والعسكري للسلطة الفلسطينية، فإن إسرائيل صنفت قبر يوسف باعتباره منطقة (ج)، ما يعني خضوعه للحكم العسكري الإسرائيلي، مع منح السلطة حكماً مدنياً محدوداً في المنطقة.
خضع القبر للسيطرة العسكرية الإسرائيلية إبان حرب العام 1967، التي أدت لاحتلال الضفة الغربية، ومنذ ذلك الحين أصبح القبر وجهة دائمة للمستوطنين للصلاة فيه وإقامة الطقوس التلمودية، وفي العام 1986 أنشأ الاحتلال مدرسةً يهودية لتدريس التوراة، وفي العام 1990 تحول القبر إلى نقطة عسكرية يسيطر عليها الجيش، وصنف في العام ذاته ضمن ما يُعرف بوزارة الأديان الإسرائيلية، كأحد الأوقاف اليهودية.
تبلغ مساحة القبر 600 متر مربع، وهو عبارة عن غرفتين وساحة خارجية، تضم الغرفة الجنوبية وفق الادعاء التوراتي قبر النبي يوسف، يقع القبر على أرض مسطحة، ويرتفع ضريح القبر متراً واحداً، تكسوه قبة مبنية على الطراز الإسلامي، أما الغرفة الشمالية فهي بمثابة استراحة تستخدم كمدرسة دينية، أو لممارسة طقوس يهودية كالصلاة وإقامة النذور وإطعام الزوار.
يكتسب القبر بعداً دينياً، حيث تدّعي الروايات التوراتية أن رفات النبي يوسف قد نقله النبي موسى من مصر إلى منطقة “شكيم”، وهو لفظ عبراني يُنسب لمدينة نابلس، وبذلك بات القبر مرقداً يهودياً للصلاة والحج، يذهب إليه المتدينون اليهود في نهاية كل شهر ميلادي للصلاة فيه والمكوث لمدة يومين، يبدآن من منتصف الليل وحتى طلوع الشمس في اليوم التالي.
تضارب الروايات
المؤرخ عبد الله كلبونة، مدير عام إدارة المواقع والترميمات في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، قال لـ”عربي بوست”، إنه “لا يوجد ما يثبت صدق الرواية التوراتية حول وجود قبر النبي يوسف في هذه المنطقة، بدليل أن النبي موسى أتى بعد 200 عام على وفاة النبي يوسف، وبقي مكان دفنه في مصر مجهولاً، أما الدليل الآخر فإن القبر أو الضريح مبني وفق الطراز الإسلامي، حيث تكسوه القبة الضحلة، ويرتفع عن سطح الأرض، وهي عادة كانت تستخدمها بعض الطوائف الإسلامية أثناء دفنهم لأحد الموتى”.
وأضاف أن “البحوث التاريخية التأصيلية تشير إلى أن القبر حديث البناء يعود إلى العصر العثماني، وبالتحديد في العام 1322 هجرياً، الذي يوازيه العام 1904 بالتقويم الميلادي، حيث تم بناء الضريح تخليداً لرجل صالح كان يدعى يوسف دويكات، قدم إلى المنطقة، وكان يُقيم دروساً لتعليم الدين الإسلامي، وبعد وفاته كرّمته الدولة العثمانية بإقامة ضريح باسمه، وبقي المكان مزاراً للمسلمين، ومعبداً لبعض الطوائف الصوفية، التي أقامت طقوساً خاصة كختان المواليد تيمناً بالرجل الصالح”.
ترفض إسرائيل تبني أو الاعتراف بهذه الرواية، وتُصر على حقيقة أن ادعاءات التوراة تعطيها الحق في ضمّ الضريح ضمن مناطق سيادتها، وهو ما يستفز الفلسطينيين، الذين يُبدون قلقهم من أن تعيد إسرائيل تكرار تجربة السيطرة على الحرم الإبراهيمي، عبر إنشاء بؤر استيطانية في منطقة قبر يوسف، وتفرض تقسيماً زمانياً ومكانياً كما هو الحال في المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي.
مواجهات لا تنتهي
محاولات اقتحام قبر النبي يوسف لا تتوقف من قِبَل المستوطنين، لكنها دائماً ما تفشل بسبب التصدي لهم من قِبَل المقدسيين، منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، بدأت محاولات السيطرة على المقام، وفي هبة النفق في العام 1996 كانت نقطة تحول بالنسبة لهذا الضريح، حيث جرت محاولات لإقامة بؤر استيطانية دائمة، أسفرت الاشتباكات عن استشهاد 6 فلسطينيين، في العام 2000 أعيدت الكرّة، وتفادياً لوقوع قتلى في اليهود، سيطرت إسرائيل عسكرياً على المقام وتتولى منح التصاريح للزوار من خارج المنطقة، وتتواجد قوات شرطية مهمتها منع الاحتكاك.
على إثر ذلك في نهاية كل شهر ميلادي يجري تنسيق بين الجيش والشرطة الفلسطينية لزيارة القبر من قِبَل المتدينين اليهود.
تاريخياً كان التوتر الأبرز الذي شهدته منطقة قبر يوسف في هبة النفق في العام 1996، حين قُتل 6 فلسطينيين تصدوا لاقتحام كبير من المستوطنين لمنطقة القبر بغرض الصلاة وإقامة طقوس تلمودية، وظل الهدف الإسرائيلي قائماً حتى اندلاع انتفاضة الأقصى في العام 2000 حيث عاد المستوطنون لاقتحام القبر ولكنهم فشلوا في فرض واقع جديد في المنطقة، وسعت إسرائيل إلى تهجير المنطقة المحيطة بالقبر لإقامة تجمع استيطاني دائم في محيطه.
بعدها أقامت إسرائيل منطقة عسكرية تحيط بالقبر ونشرت قناصتها في عدة أماكن، ولا يسمح للفلسطينيين من خارج المنطقة بالدخول إلى القبر أو زيارته إلا بتصريح أمني غالباً ما يتم رفضها، إلى جانب ذلك تتواجد قوات شرطية فلسطينية ضمن دائرة الارتباط المدني منعاً للاحتكاك المباشر بين الفلسطينيين وقوات الجيش أو المستوطنين.
نكبة جديدة
غسان دغلس، مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية، قال لـ”عربي بوست” إن محاولة إسرائيل لفرض واقع جديد في منطقة قبر يوسف لم تتوقف منذ احتلالها للضفة الغربية قبل 50 عاماً، ولكن ما يدعو للقلق هو جدية وتنامي الدعوات التي يطلقها رؤساء مجالس المستوطنات للضغط على الحكومة لضم القبر لمنطقة السيادة الإسرائيلية، ما يعني أننا أمام فصل جديد من فصول النكبة الذي قد يهدد حياة أكثر من 30 ألف عائلة مهددة بالتهجير في حال جرت المصادقة على إقامة بؤر استيطانية دائمة في منطقة قبر النبي يوسف.
نهاد أبو غوش، الباحث في مركز مدار للدراسات الإسرائيلية، قال لـ”عربي بوست” إن الدعوة التي أطلقها يغال دلموني والمعروف بقربه الشديد من رئيس الحكومة نفتالي بينيت يجب النظر إليها كجرس إنذار لما يجري التحضير له في منطقة قبر يوسف، لأن الصمت الإسرائيلي من العجز والفشل عن اقتحام القبر منذ حرب غزة الأخيرة، قد تقابله خطوات انتقامية ليس أقلها إقامة تجمع استيطاني بدائي كما حدث في بؤرة بيتا في جبل صبيح في رام الله قبل أشهر قليلة من الآن.
وعليه، يجب النظر باهتمام إلى أن حالة الاستقرار التي تشهدها حكومة بينيت بعد إقرار قانون الميزانية، قد تقابلها خطوات عملية على الأرض لتنفيذ الوعود الانتخابية التي أعلن عنها بينيت أثناء حملته الانتخابية، والتي كان من بينها ضم مقام النبي يوسف للسيادة الإسرائيلية، قبل انتهاء فترته وتسليم مقاليد السلطة لخلفه يائير لابيد الذي يعارض مثل هذه الفكرة.