وكالات:
رام الله- عوض الرجوب: يتوكأ على عصاه ويهش بها غنمه وله فيها مآرب أخرى، منها التلويح بها أمام من يحتلون أرضه ويهددون وجوده. إنه المسن الفلسطيني سليمان الهذالين، ابن قرية “أم الخير” في محافظة الخليل أقصى جنوب الضفة الغربية.
معتمرا كوفيته وحاملا عصاه وعلم فلسطين بألوانه الأربع، يشارك الهذالين (69 عاما) في مقارعة قوات الاحتلال الإسرائيلي، في كل مرة تتعرض فيها قريته والقرى والتجمعات الفلسطينية المجاورة لاعتداءات الاحتلال والمستوطنين.
الأسرى والمسرى
“اللهم حرر الأسرى والمسْرى (الأقصى)”، كلمات لا يتوقف الهذالين عن الهتاف بها وترديدها، رافعا يده ومتخذا من أصابعه شعارا خاصا: يغلق أصابع يده اليمنى، ويبقي الإبهام مستقيما.
وتقع خِرْبة (قرية صغيرة) “أم الخير”، حيث يقيم الهذالين، إلى الشرق من بلدة يطّا جنوبي الخليل، وتسكنها عشيرة الهذالين منذ عام 1956، واشتدت معاناتها بإقامة مستوطنة “كرمئيل” على أراضيهم.
تعرضت الخِرْبة لأكثر من 15 عملية هدم، ولا يسمح لأصحابها تغيير أي من معالمها التي كانت عليها عند احتلال الضفة عام 1967، بل إن الاستيطان يزحف عليها ويحاصرها.
“الإسرائيليون كيان غاصب نهبوا أرضنا الفلسطينية”، يقول الهذالين في حواره مع الأناضول، في مسكنه البدائي بمحاذاة المستوطنة الإسرائيلية، بينما يفصل بينهما سياج من الأسلاك الشائكة.
يتحدث المقاتل المسن بلهجته البدوية، فهو ينحدر من قبيلة عرب الجهالين المهجرة من أراضيها في منطقة عرَاد جنوبي إسرائيل عام 1948، واستقر المقام بآلاف من أفرادها إلى المناطق الشرقية من الضفة الغربية، لكن التهديد يلاحقهم.
يقول الهذالين: “لا يريدون أحدًا أن يرفع صوته، هذه الأرض وطِأها النبي (محمد) عليه الصلاة والسلام” في إشارة إلى حادثة الإسراء والمعراج.
وينفي الرجل انتماءه لأي من الفصائل الفلسطينية، ويكتفي بالقول “أنا فلسطيني ومن الشعب الفلسطيني”.
واشتهر الهذالين إعلاميا بكثرة اعتقالاته والتنكيل به من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي في الفعاليات الرافضة للاستيطان، وعادة يفرج عنه بشروط بعد ساعات من اعتقاله.
هدموا 15 مرة
ويشير الرجل إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية قاموا بعمليات هدم في قرية “أم الخير” 15 مرة، وتابع قائلًا: “لو نعطيهم الخليل ونابلس كلها لما اكتفوا، يريدون حتى نهري الفرات (في العراق) والنيل (في مصر)”.
يضيف: “الاحتلال يهاجمنا عنوة بقوة السلاح، لولا السلاح ما تركناهم يوم واحد”.
ولا يعتبر المسن الفلسطيني أن مقاومة الاحتلال مقتصرة على فئة عمرية محددة، ويتعهد بالمضي على ذات الطريق مع تقدم سنه “لا يمكن أغيّر القاعدة المتبعة، أحارب من أجل هذه الأرض”.
ويضيف أنه اعتقل عدة مرات، وفي كل مرة يوقّع تعهدا بعدم العودة لذات المكان لكنه يعود: “اعتقلوني مرات كثيرة، يعتقلوني الصبح ونهاية النهار أتواجد في أي فعالية، بَصّموني (من البصمة أي التوقيع على تعهد) حتى ما أرجع، فأقسمت أن أرجع”.
ويشير إلى غرامات مالية كثيرة فرضت عليه بسبب مشاركته في المقاومة الشعبية، تعدادها بآلاف الشواكل (الدولار الأمريكي يساوي 3.24 شيكلا).
ويضيف: “كلنا نعاني، كل الشعب الفلسطيني، وأنا أشارك لأشُد من أزرهم: شيبهم وشبابهم، حتى ما نتخاذل”.
“عاهدت الله، في هذه الأرض أن أقاوم فيها لآخر رمق، وأطلب من الله شهادة تغيظ العدو وتسُر الصديق”، عبارة كررها سليمان الهذالين في حديثه.
ويتابع باكيا: “لن أستكين، لن أركع ما دام يجري في شراييني دم (..) من ذا الذي لا يحب وطنه؟ هذا وطننا وطن الآباء والأجداد، أحب أرض الحبيب المقدسة، (وهي) وقف إسلامي، أرض عمر (ابن الخطاب)”.
ويوجه المناضل الفلسطيني رسالة لشباب المسلمين، قائلًا: “هذه الأرض عاجلا أم آجلا سيرفع عليها علم لا إله إلا الله محمد رسول الله، علم رسول الله”.
محاصرة وملاحقة
لم تحرم سياسات الاحتلال في التوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي وإعلانها أراضي عسكرية، عشيرة الهذالين وغيرها من العشائر من مساحات شاسعة من المراعي والأراضي الزراعية فحسب، بل حاصرتهم في تجمعات صغيرة مغلقة دون السماح لهم حتى بخدمات البنية التحتية.
فحسب معطيات لجان الحماية والصمود جنوبي الخليل، يوجد 22 تجمعا فلسطينيا (ريفيا وبدويا) شرقي بلدة يطّا في مناطق مصنف “ج”، يسكنها نحو 15 ألف نسمة، وتخضع لسياسات التضييق.
وتمنع إسرائيل أي تغيير في هذه المناطق دون تصريح منها، وهو ما لا يتم الحصول عليه غالبا.
وصنفت اتفاقية أوسلو (1995) بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل أراضي الضفة إلى 3 مناطق: “أ” تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و”ب” تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و”ج” تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية، وتشكل الأخيرة نحو 60 بالمئة من مساحة الضفة.
وتشير تقديرات إسرائيلية وفلسطينية، إلى وجود نحو 650 ألف إسرائيلي في مستوطنات الضفة بما فيها القدس المحتلة، يتواجدون في 164 مستوطنة، و124 بؤرة استيطانية.
(الأناضول)