غدير الرعيني
بسط الظلام كفه على الأرض ليتكئ، معلناً أن الوقت قد حان كي تخرج تلك الكائنات الليلية وتضع أقنعتها التي اضطرت لارتدائها طوال النهار.
كم يستلذ الظلام بتعريتهم!
إحدى هذه الكائنات كنت أنا.
ما ان تنتهي وجبة العشاء حتى يذهب الجميع إلى غرفهم، كلٌ مع زوجته وأبنائه، أودعهم بابتسامة أسحقها على عتبة باب غرفتي مستلذة بموتها!
«غرفتي هي جنتي»، هكذا تردد على مسامعي دوماً، حتى تساءلت يوماً أي فرق قد يكون بين الجنة والنار إذاً؟
لجنتي المزعومة نافذة وحيدة، مطلة على تفرع لشارع رئيسي، لذا فإن سحرها يبدأ من هذه اللحظات.
أجلس على الأرض مسندة ظهري إلى أحد أركان سريري، لأراقب الظلال التي أعشقها.
أعشقها؟ كلا، هكذا كنت أظن، لكني بت متأكدة أني اعتدتها، لأنها الشيء الوحيد الذي يمكنني فعله كي يتلاشى الوقت سريعاً وأنام.
أراقب كل تلك التحف والهدايا على إفريز النافذة التي تلقيتها في نفس اليوم ولنفس المناسبة، لكن في أعوام مختلفة، ومع كل تحفة أضيفها أشعر بالخوف ينهش قلبي.
ما الشيء المهم الذي يجعل الوقت يهرول بكل هذه السرعة من أجله؟ وما ذنبي أنا بأشغاله المهمة بالنسبة له والتافهة بالنسبة لي.
يوماً بعد يوم بدأت أشعر بضرورة التخلص من بعض الهدايا القديمة، بعذر أنها أصبحت باهتة وتشوه منظر الغرفة – وكأني أغطي شيئاً ما بداخلي -!
عندما تمر المركبات أثناء لحظات تأملي تلك، تُلقي بنورها على تحف نافذتي التي تبدو ظلالها كأنها تتحرك من مكانها قافزة إلى جدار الغرفة الغربي، ويقفز قلبي معها لترحل «بعيييداً» حتى آخر الجدار، ثم ما تلبث أن تعود. وأعود!
وهكذا في كل مرة تسافر روحي للحظات ثم تعود حانقة، غاضبة عليّ وعلى قدري.
توقظني خربشات الشمس الشقية، لأجدني قبالة النافذة برقبة محنية وجسد لا أدري آنهكته قسوة الأرضية أم كل تلك الرحلات المنتهية بالخيبة مراراً!