مصطفى قصقصي*
في وَصْف الأسرى لبزوغهِم الإعجازيّ من سجنِهم، ومن سِجنِنا، يصعقُنا الإشراقُ الحسّيُّ لفكرة الحريّة. يرتعِشُ خيالُنا أمام ملموسيّتها النادِرة. فجرٌ من لحمٍ ودم. غريزةٌ من هواء وسماء. قشعريرة زرقاء.
قاموس كامل لبداية العالم ولبداهة الوطن: شرفة على مرج. صبر. شوك. برتقال أخضر. الصيف طفلاً. الرمّان عاشقاً ميلودراماتيكيّاً. عسل التين. قمر جليليّ غير مسيّج. خارطة القلب. ملح الأرض. عناق الأم. أخوّة الخبز والذاكرة. قبلةٌ سريعة لولد يدلّل الوقت كقطّةٍ لم تنمُ أظافرُها بَعد. عودةٌ موروثةٌ كطريقة فلسطينيّةٍ في التنّفّس، أو في الكلام.
تطلّ من كلامِهم جغرافيا شهيّة، وطبيعةٌ إيروتكيّة فاتِنة دون ابتذال. بلاد تنزّ أنوثةً وأمومةً وواقعيّةً سحريّةً يانِعة. كلّ شيء فيها حقيقيّ وسحريّ كلغز لا يريد حلّاً. يعترينا الخجل من كسلٍ في نظراتنا اليومية إليها طالما أطفأَها وجفّفَها وأسكتَها. كم ازددنا فقداً لها في متاهات حديثِنا النظريّ عن جمالياتها المجرّدة. كم تشرّدتْ في منافي الشعر. كأنّها فاكهة محرّمة تُقطَف عن شجر المجاز وتؤكل في السرّ.
تطلّ من كلامهم بلاد واثقةٌ بشمسِها وبحواسّها كلّها، بلاد تعجن النهار بالتراب وتحبس الحراس في كوابيسِهم وتعيد كتابة فِقْه الحنين: إنّا للحرّية وإنا إليها لقادمون.
- شاعر واختصاصي نفسي عِيادي من فلسطين