هايل المذابي
كان نيتشه يرافق سارتر وقد أزعجهما حال كافكا الذي فضل اعتزال الناس والخلوة بنفسه، ثم إنهما كانا قريبين من مكان عزلته، فتوافقا على المرور عليه وتقديم النصح له، بعد أن طرق الباب سارتر بعُقَل أصابعه أجاب كافكا بصوت منخفض:
ـ من الطارق؟
فأجاباه باسميهما..
فقال: ماذا تريدان؟
فأجاب سارتر: يا عزيزي كافكا: إننا لا نكتشف أنفسنا بالعزلة والاعتكاف، لكن يحدث ذلك وسط الزحام وبين الجماهير»
ولم يرد كافكا عليه فبادر نيتشه مضيفا على ما قاله سارتر:
ـ أتعلم يا عزيزي كافكا بأن سر الفوز بأعظم متعة للوجود يكمن في عيش حياة خطرة! بناء مدنك الخاصة على المنحدرات، أرسل سفنك إلى بحار مجهولة، عش في حرب مع زملائك ومع نفسك، قريباً سينتهي العمر، هل أنت قادر على الاكتفاء بالعيش راضيا مختبئا في الغابات مثل الغزلان الخجولة.
حينها وقد أدرك انتهاء كلامهما رد عليهما كافكا قائلاً:
ـ لما لم تتعلم يا فردريك فن العيش الحكيم من معلمك شوبنهاور، رغم أن الجميع يظنك من مريديه والمتأثرين به، والسائرين على نهج فلسفته، أليس هو من قال:
«ذو العقل الضعيف، ما أن يفرغ من إشباع حاجاته الأساسية وينعم بقليل من الراحة حتى يندفع بحثاً عن تمضية الوقت كيفما اتفق، ومخالطة الناس من دون تمييز فهو ينسجم مع الجميع ولا يفر إلا من نفسه. ولهذا لا يستطيع تحمّل العزلة؟».
وأنت يا جان: لما يا ترى أزعجتك عزلتي، هل لأنك رائد الوجودية، وترى أن الحياة يجب أن تُعاش بعيدا عن دواعي العزلة مهما كانت، ثم ألست أنت من يرى أن الإنسان حر دائماً حتى حين يتخلى عن حريته، ويختار عدم الاختيار فإنه أيضاً حر واختار عدم الاختيار؟
والآن أرجوكما اتركاني وشأني «لا أريد الخروج، هناك بشر في الخارج».