القى قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، كلمة بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية 1محرم 1443هـ فيما يلي نصها:
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
بمناسبة قدوم عامٍ هجريٍ جديد نتوجه إلى أمتنا الإسلامية بالمباركة، ونسأل الله أن يجعله عام خيرٍ، وهدايةٍ، ويسرٍ، ونصر.
وفي هذه المناسبة نتحدث ونوزِّع الحديث على ضوء هذه المناسبة على ثلاثة محاور:
المحور الأول: يتعلق بالتاريخ الهجري
الذي اختاره المسلمون ليكون هو التاريخ الذي يعتمدون عليه، فيما يعنيه ذلك لنا كمسلمين من ارتباطٍ بحدثٍ عظيمٍ، ترتبت عليه تحولات كبيرة في واقع الأمة، وفي الواقع البشري عموماً، وهو الهجرة النبوية.
والتاريخ الهجري مهمٌ جداً بالنسبة لنا كمسلمين، فيما يعنيه لنا، وفيما يربطنا به، وفيما يقدِّمه لنا من دروس ذات أهمية كبيرة من وحي الهجرة النبوية.
وللأسف الشديد هناك تفريطٌ كبير في واقع المسلمين في الاهتمام بالتاريخ الهجري، وعوضاً عن ذلك توجه الكثير منهم إلى الارتباط بشكلٍ كامل بالتاريخ الميلادي، الذي يعتمد عليه المسيحيون وغيرهم.
من المفترض أن نسعى لإعادة الاعتبار للتاريخ الهجري، وكما قلنا في مناسبات سابقة: لربما لولا ما يربطنا بالتاريخ الهجري، وبالسنة الهجرية القمرية من ارتباطات دينية: كشهر رمضان المبارك، وكفريضة الحج… ونحو ذلك، لربما كان أكثر المسلمين قد ضيعوا تماماً الاعتماد على التاريخ الهجري، والاعتماد للسنة الهجرية القمرية؛ ولذلك في كل مناسبة من هذه المناسبات نتحدث عن هذا الموضوع؛ لأهميته، وللفت النظر إليه.
الهجرة النبوية تقدِّم لنا دروساً مهمة، نحتاج إليها كمسلمين في كل زمان، وفي كل مكان، وعندما نتحدث عن هذا الموضوع، تعود بنا الذاكرة إلى تلك المراحل التاريخية المهمة، إلى العصر الجاهلي، والبشرية تعاني من الجاهلية الجهلاء، من ويلاتها، وظلماتها، وظلامها، وظلمها، وفسادها، وقد وصلوا إلى مراحل سيئة جداً، إلى درجةٍ باتوا يستشعرون فيها الحاجة الملحة إلى الإنقاذ من ذلك الوضع الرهيب والدنيء جداً في المجتمعات البشرية كلها، وباتوا يستشعرون الحاجة إلى منقذٍ ومخلِّصٍ من تلك الوضعية السيئة.
ولذلك يذكر الله لنا في القرآن الكريم عن أهل الكتاب، أنهم كانوا يترقَّبون في تلك المرحلة ظهور نبيٍ، هو آخر الأنبياء، وخاتم الأنبياء، ليكون منقذاً للبشرية، ومخلِّصاً لها من تلك الوضعية الرهيبة، التي طغى فيها العهد الجاهلي بكل ظلامه، وظلماته، وفساده، وظلمه، فيقول الله عنهم في القرآن الكريم: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا}[البقرة: من الآية89]، فكانوا يؤمِّلون أن يأتي هذا المخلِّص العظيم، والمنقذ الكبير، الذي ينقذ الله البشرية على يديه.
كما يذكر الله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم عن المجتمع القرشي في مكة، ومكة هي المركز الديني، والموقع المقدَّس، الذي يرتبط به العرب؛ لقداسته، ولمحوريته على المستوى الديني، ويرتبطون به على مستوى الحج… وغير ذلك، فالمجتمع هناك أيضاً كان يعيش حالة الحسرة والأمنيات؛ ولذلك يحكي الله عنهم فيما يتعلق بهذا الموضوع: في تطلعهم إلى منقذ، إلى مخلِّص، وإلى هدى يأتي، فيقول الله “سبحانه وتعالى” عنهم: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ}[فاطر: من الآية42]، فكانوا يتحسَّرون، وكانوا يتمنون أن لو يأتي نذير؛ ليؤمنوا به، ليكونوا أنصاراً له، ليتحركوا تحت رايته، ليتفوقوا على غيرهم من الأمم على المستوى الروحي، والثقافي، والفكري، ثم على المستوى الحضاري والواقع.
ويقول الله “سبحانه وتعالى” عنهم أيضاً، وهو يبين لهم كيف كانوا يتحسَّرون، وكيف كانوا يترقَّبون، وكيف كانوا يتمنون، أن لو كان لديهم كتاب من كتب الله، وهدى من الله؛ ليتميزوا عن سائر الأمم بالارتقاء الأخلاقي، والسلوكي، والثقافي، والفكري، والحضاري، فيقول الله عنهم أنهم كانوا يقولون: {لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}[الصافات: 168-169]، ولكن عندما وصل إليهم الهدى كما حكى الله عنهم: {فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}[الصافات: الآية170].
فلذلك كانت نعمة الله عظيمة، وكبيرة جداً، عندما بعث رسوله، وخاتم أنبيائه محمداً “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، وأنزل عليه كتابه القرآن العظيم، لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، الظلمات التي كانوا يعانون منها في الجاهلية الجهلاء، فيقول الله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ}، يخاطب نبيه محمداً “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[إبراهيم: من الآية1]، وهذا ما عمله النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، هو أدَّى هذا الدور، وقام بهذه المهمة، وسعى بكل جهده لإخراج الناس، وهو يبلِّغهم رسالات الله، وهو يهديهم، وهو يزكيهم، وهو يتحرك بمن يستجيب له على المستوى العملي، لإخراجهم من الظلمات بكل أنواعها: ظلمات الجهل، والضلال، والباطل، ومذام الأخلاق، ومساوئ الأعمال، والتصرفات السيئة، والواقع المظلم، الفاسد، السيئ، إلى النور، نور الهداية الإلهية، بكل ما يترتب عليه في واقع الحياة.
ثم كانت النعمة أيضاً بذلك بدءاً على العرب، على المجتمع العربي، الذي عانى إضافةً إلى معاناة الجاهلية، كان يعاني أيضاً من الأمِّيَّة، فكان يتطلع إلى أن يأتي من ينقذه، من يخلِّصه من جاهليته، ومن أمِّيَّته؛ فلذلك يقول الله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم يبين نعمة الله العظيمة، التي هي نعمة على البشرية بشكلٍ عام، وفي المقدِّمة على المجتمع العربي، يقول الله “جلَّ شأنه”: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الجمعة: الآية2]، فأمِّيَّتهم جعلتهم يعيشون في حالةٍ من الضياع، الضياع البيَّن، الواضح، أمة ليس لها هدف، أمة لا تسير في الاتجاه الصحيح، أمة ضائعة في دينها ودنياها.
فلذلك كانت نعمةً كبيرةً وعظيمةً من الله، أن منَّ الله عليهم وبعث فيهم سيد رسله، وخاتم أنبيائه، وأنزل القرآن العظيم؛ ليحقق هذه النقلة الكبيرة والهائلة جداً، لينتقل بهم من انحطاط الجاهلية ودناءتها، ومن حضيض الأمِّيَّة وجاهليتها وجهلها، إلى هذه النقلة الكبيرة جداً والعظيمة على المستوى الروحي، والثقافي، والفكري، والسلوكي، والحضاري، {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}، ثم يصنع منهم أمةً عظيمة، تتميز بهذه المميزات الراقية جداً: بهدى الله “سبحانه وتعالى”، وبالسمو الروحي، والأخلاقي، والثقافي، والفكري، والحضاري، فمثَّلت هذه نقلةً كبيرة، ونقلةً عظيمة.
فنعمة كبيرة، وفي نفس الوقت شرف كبير، هذه الرسالة بكتابها العظيم، بهداها المتميز والعظيم، تمثِّل شرفاً كبيراً، شرفاً لكل من يتَّبعها، وشرفاً للأمة التي تتحرك على أساسها؛ ولذلك يقول الله “سبحانه وتعالى” لرسوله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}[الزخرف: من الآية44]، يعني: القرآن الكريم، الذي هو لب ومحتوى الرسالة الإلهية، {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}، فهو إلى ما فيه من تذكير، وهداية عظيمة، هو أيضاً شرفٌ كبير لمن يؤمن به، لمن يهتدي به، لمن يتحرك على أساسه، شرفٌ تسمو به النفوس، وشرفٌ تسمو به الأمم في واقعها، والأقوام، ومن يتَّبعه على مستوى الواقع أيضاً، على مستوى النتائج والثمرة الطيبة التي تتحقق في واقع الحياة.
يقول أيضاً في القرآن الكريم وهو يخاطب ذلك المجتمع، ثم هو خطابٌ للأمة في كل زمن، يقول الله “سبحانه وتعالى”: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}[الأنبياء: الآية10]، {فِيهِ ذِكْرُكُمْ}: فيه الهداية لكم، والتذكير لكم، وفي نفس الوقت الشرف العظيم لكم، إن اهتديتم به، إن تمسكتم به، إن تزكيتم وانتفعتم به، وتحركتم على أساسه، يسمو بكم، يشرف بكم، يعلو بكم، وفي نفس الوقت تحظون من خلاله برعاية إلهية عظيمة، وبنصر، وبتأييد، وبمكانة عظيمة، ودور كبير في الواقع البشري.
مع هذه النعمة، وهذا الشرف الكبير، هو أيضاً دينٌ من الله “سبحانه وتعالى”، ورسالةٌ إلهية حتمية الانتصار، مكتوبٌ له الظهور، مكتوبٌ له الغلبة، مكتوبٌ له النصر، يسانده الله، هو دين الله “سبحانه وتعالى”؛ ولذلك يقول الله “سبحانه وتعالى”: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[الصف: الآية9]، فهو حتمي الانتصار، مكتوبٌ له أن ينتصر حتماً.
مع كل هذه العناصر التي تمثِّل جاذبية كبيرة:
– في كونه منقذاً للبشرية من واقعٍ سيئ، المجتمعات البشرية فيه آنذاك تستشعر سوء ذلك الواقع، وحاجتها إلى الخلاص منه، وتطلعها إلى الإنقاذ منه، المجتمعات على مستوى أهل الكتاب، أو على مستوى المجتمع العربي آنذاك.
– ثم على مستوى ما يمثِّله هذا المشروع:
o من انسجامٍ مع الفطرة البشرية.
o من جاذبية في قيمه العظيمة، ومبادئه العظيمة.
o من جاذبية على مستوى الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، في كماله الإنساني والأخلاقي، ورشده العظيم، ومميزاته ومؤهلاته التي وهبه الله “سبحانه وتعالى”، وتأثيره الكبير، وقدراته التبليغية الراقية، وكفاءته العالية لأداء هذه المهمة العظيمة، بتأهيلٍ من الله “سبحانه وتعالى”.
مع كل العناصر الإيجابية لتلك الرسالة، في كتابها، وفي رسولها، الذي أقسم الله أنه على خُلُق عظيم، بلغ مستوى العظمة في كماله الأخلاقي، وفي رشده، مع كل ذلك كان الموقف في مجتمع مكة، الذي بدأت فيه انطلاقة هذه الرسالة، وحركة النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” بها، كان الموقف موقفاً سلبياً، وكانت تجربة المجتمع في مكة في أكثريته- باستثناء القليل- كانت تجربةً فاشلة، في التعامل تجاه هذه النعمة العظيمة، وهذا الشرف الكبير، فكان موقف أكثرهم هو الكفر بالرسول، والرسالة الإلهية، وبالقرآن الكريم، والإعراض عن هذا الشرف الكبير، والتنكُّر لهذه النعمة العظيمة.
وكان هناك مجموعة من الأسباب والعوامل الرئيسية، تمثِّل درساً مهماً لكل شعب، لكل بلد، لكل قوم، لكل منطقة، درساً مهماً جداً تجاه التجربة في التعامل مع هدى الله “سبحانه وتعالى”، وخطورة بعض العوامل السلبية، التي لها نتائج سيئة جداً:
• العامل الأول في هذا الموقف السلبي من المجتمع القرشي آنذاك في أكثريته، هو: استكبار الملأ منهم:
أكثر زعمائهم ووجاهاتهم المؤثِّرة في المجتمع، المتبوعة في المجتمع، استكبرت، استكبرت من أن تتبع هذه الرسالة، من أن تؤمن بالرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، وأن تؤمن بالقرآن الكريم، وأن تتقبل هذا الهدى، وأن تتبع هذا الهدى، وكما يقول الله عنهم في القرآن الكريم: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا}[ص: 6-8]، خلاصة موقفهم يترتب هنا في هذا النص: {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا}، فالحالة حالة استكبار، استكبار من الملأ، كلٌّ منهم يريد أن يكون هو من يُبعَث رسولاً، من يأتي إليه الوحي، من… لأنهم يفهمون أنَّ الرسالة موقع سلطوي، ومنصب زعامة فحسب، وهذا هو الموضوع الرئيسي عندهم.
ولذلك كما قال القرآن عنهم في آيةٍ أخرى: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً}[المدثر: الآية52]، وهم هنا يقولون: {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا}، فهذه حالة الاستكبار، هي حالة تؤثِّر على الكثير من الناس، ممن لهم وجاهة، وزعامة:
– على المستوى الاجتماعي.
– أو على المستوى السياسي.
– أو على أي مستوى، حتى على المستوى الديني والعلمي.
الكثير منهم يؤثِّر عليه ذلك، فيدفعه للاستكبار عن قبول الحق، هذا درس مهم في كل زمان، وفي كل مكان.
• العامل الآخر من العوامل السلبية، التي أثَّرت على أكثريتهم، هو: الطمع، والنظرة المادية، والتوجه المادي، والمعايير المادية:
فهم عندما بدأ النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” تحركه بتبليغ الرسالة الإلهية، ولم يكن من أثرياء القوم، ولم يكن صاحب ثروة هائلة، وإمكانات مادية ضخمة، ولم يستند في دعوته تلك إلى الإغراءات المادية، والاستقطاب المادي، والتأثير المادي، فكثيرٌ منهم (أكثريتهم) أعرضوا عنه، واعتبروا هذا كافياً في ألَّا يتَّبعوه؛ لأنهم لم يكونوا يؤمنون بأنَّ القوة إلَّا في جانب المال والثروة، وأنَّ الإنسان هو قويٌ ونافذ بقدر ما يمتلك من مال وثروات؛ وبالتالي يُبنَى على ذلك الإتِّباع له؛ لأن الإتِّباع له سيحقق مصالح مادية، أو مكاسب مادية، أو على الأقل يحترمونه لهذا الاعتبار، حتى لو لم يحصلوا منه على مصلحة.
وكانوا يوجِّهون الانتقادات على هذا الأساس إلى النبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، وكانوا يتحدَّثون عن هذا الجانب كمعيار يعتمدون عليه:
– في موقفهم.
– وفي تقييمهم.
ولذلك يقول الله عنهم أنهم قالوا: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزخرف: الآية31]، العظيم عندهم، بمقدار ما يمتلك من ثروات، وإمكانات، وقدرات مادية.
في مقترحاتهم التي حكاها الله عنهم في سورة الفرقان، عندما قالوا: {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا}[الفرقان: من الآية8]، فهم يقولون: [لماذا لا يلقى إليه كنز؟]، وعلى ضوء ذلك يصبح ثرياً، وصاحب إمكانات مادية ضخمة؛ ليتَّبعه الناس، {أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ}، يعني: مزرعة ضخمة جداً.
– إما إمكانات تجارية مالية نقدية، آنذاك الذهب، أو الكنز.
– أو ثروة زراعية ضخمة.
نظرتهم المادية هذه، ومعيارهم المادي، وأطماعهم، وجشعهم، كان من العوامل السلبية التي أثَّرت عليهم، في أن يؤمنوا بالحق، أن يقبلوا بالرسالة العظيمة، رسالة الله، التي في الإيمان بها، والإتِّباع لها، ينالون خير الدنيا والآخرة، ولكنهم أعرضوا، وهذا أيضاً يؤثِّر- كما قلنا- على الكثير من الناس في كل زمان ومكان، معيارهم في الولاء، معيارهم في الموقف، معيارهم في الإتِّباع، معيارهم في منطلقاتهم، في أعمالهم ومواقفهم، هو معيار مادي، يميلون إلى من لديه إمكانات مادية، ويقدِّم إغراءات مادية، ونحن نشاهد هذا في هذا الزمن بشكل كبير جداً.
البعض من الناس يقفون في صف الباطل، وهم يعلمون أنه باطل، لماذا؟ انجذاباً للإغراءات المادية، وارتباطاً بمن لديهم إمكانات مادية، وثروات مالية، فالكثير من الناس قد يبيع موقفه وولاءه، ويعمل أي عملٍ مهما كان، مهما كان ظالماً، مهما كان باطلاً، مهما كان سيئاً، مهما كان فيه من ظلم وفساد، في مقابل هذه الأطماع المادية، والأهواء المادية، وذلك درس في كل زمن، وفي كل مكان.
• العامل الثالث من العوامل المؤثرة سلباً على أكثرية المجتمع القرشي في مكة، هي: المخاوف:
وحكى الله عن بعضهم أنهم قالوا: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا}[القصص: من الآية57]، قالوا: نحن إذا اتَّبعنا هذا الهدى- وهو هدى، هم يعترفون بأنه هدى- معك، فمحيطنا بكله العربي والعالمي، اتجاهه اتجاه مختلف معك، واتجاه آخر؛ وبالتالي يعاديك، ويحاربك، ونحن سنكون قلة أقلية في بلدنا، ماذا نستطيع أن نفعل؟ فستكون حالتنا هي هذه الحالة التي لا نستطيع فيها الثبات على موقفنا، ولا أن نواجه كل هذه الضغوطات والتحديات من حولنا، ولا أن نصد هذا الاستهداف عن أنفسنا، فعبَّروا عن ذلك بقولهم: {نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا}.
فأثَّرت عليهم هذه المخاوف الثلاث، أو العوامل الثلاث، وأنستهم- ما ذكرناه سابقاً- أنَّ هذا مشروع إلهي عظيم، حتمي الانتصار، والرسول كان يطمئنهم بأن هذا المشروع سينتصر حتماً، وأنَّ الله معه، وأنَّ المتغيرات ستكون لصالحه، وأنَّ به خير الدنيا والآخرة…إلخ.
وتطوَّر الموقف (موقف الأكثرية في مكة) من الكفر والإعراض عن هذا الهدى العظيم، وعن هذه الرسالة العظيمة، إلى المحاربة لهذه الرسالة، والصد عنها، وتثبيط الآخرين عنها، حتى أنهم كانوا يستهدفون كل الوفود التي تأتي من مختلف القبائل العربية إلى الحج، ليحذِّروها من رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، ومن الإسلام، ومن القرآن العظيم، وليحرِّضوها ضد رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”.
وتطوَّر موقفهم هذا، وازداد استكباراً، وعتواً، ونفوراً، وكفراً، إلى أن وصل إلى مرحلة سيئة جداً، بات أكثرهم في وضعية غير قابلة لأن يؤمنوا أصلاً، وصل بهم الحال إلى الابتعاد كلياً عن الإيمان بالرسالة الإلهية، ولهذا يقول الله “سبحانه وتعالى” عنهم: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}[يس: الآية7]، وصلوا إلى هذه المرحلة: ألَّا يؤمنوا أبداً، إلى مرحلة اليأس من إيمانهم، فهم وصلوا إلى أسوأ مستوى من الكفر، والإعراض، والابتعاد عن الحق، فضلوا ضلالاً بعيدا.
هذه الحالة التي وصلوا فيها إلى مستوى غريب جداً، حالة تشبه قول الله “سبحانه وتعالى” لنوح “عليه السلام”، نبيه نوح “عليه السلام”: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ}[هود: من الآية36]، هذه حالة قريبة منها، ليست بمثلها، ولكن قريبة منها، عندما يقول: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}، الآية تقطع بأنَّ أكثرية ذلك المجتمع لا يؤمنون، ولن يؤمنوا أبداً.
ويقول الله عنهم- يعبِّر بذلك عن مستوى الحال الذي وصلوا إليه، وما قالوه هم، نتيجةً للحال السيئ الذي وصلوا إليه من العناد والكفر-: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأنفال: الآية32]، حالة غريبة جداً، من يتأمل في كلامهم هذا، وهذا الحق الذي يطلبون من الله إن كان أصبح هو الحق من عنده، أن يمطر عليهم حجارةً من السماء، وأن يأتيهم بالعذاب الأليم، حالة رهيبة جداً، هو حق عظيم، هو حق جذَّاب، هو حق فيه خيرهم في الدنيا والآخرة، لكن هكذا يصنع العناد، التمادي، التمادي في الكفر، التمادي في الباطل، التمادي في الضلال، يصل بأي مجتمع، وبأي إنسان، على المستوى الشخصي، أو على المستوى الجماعي، إلى حالة سيئة، يفقد الإنسان كل العناصر الإنسانية فيه، المشاعر الطيِّبة، يفقد زكاء نفسه بالكامل، تنقلب نفسيته إلى حالةٍ عجيبة جداً من الجهل والتعنت، وتفسد نفسيته بدرجة رهيبة جداً وشنيعة، هذه فيها درس كبير، وعبرة كبيرة لكل إنسان، ولكل مجتمع؛ ليكون حذراً.
عندما بلغ المجتمع القرشي إلى هذه الحالة السيئة من جانب، واتجه بالمحاربة الشرسة والشديدة للرسالة الإلهية، وللاستهداف للنبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، وصولاً إلى التآمر المباشر على شخص النبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، كما يقول الله “جلَّ شأنه” في القرآن الكريم: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال: الآية30].
في هذه الحالة السيئة والخطيرة جداً، وقد اتجهوا بكل جديةٍ من جانبهم لاستهداف النبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، في محاربتهم للرسالة الإلهية، أتى الإذن من الله للنبي بالهجرة: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ}[الذاريات: الآية54]، كان في المراحل الماضية يصبِّره، أن يصبر، أن يستمر، ويقول له: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}[المدثر: الآية7]، يقول له: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ}[القلم: من الآية48]، يعني: كنبي الله يونس “عليه السلام”، صبر، وواصل، وثبت، واستمر، وعانى، لفترة زمنية طويلة، لما يقارب ثلاثة عشر عاماً.
عندما أتى من الله الإذن بالهجرة، هاجر النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” من مكة، هاجر إلى المدينة، حيث كان هناك مجتمع آخر في المدينة، يتكون هذا المجتمع من قبيلتين هما: الأوس، والخزرج، وهاتان القبيلتان هما من اليمن، من قبائل اليمن، واستقرتا هناك، في قصة طويلة، لا يسع الوقت للحديث عنها، وعن كل التفاصيل، لكن كان هناك أيضاً- في مقابل العوامل الثلاث السلبية، التي أثَّرت على أكثرية المجتمع المكي القرشي آنذاك- كان هناك أيضاً ثلاثة عوامل إيجابية في هذا المجتمع، المكوَّن من الأوس والخزرج، جعلت لهذا المجتمع الدور الكبير، الذي حظي من خلاله بأن يكون هو الذي يحضن هذه الرسالة الإلهية، وأن يحظى بالشرف الكبير في نصرة هذه الرسالة الإلهية، وأن يحظى بهذا الشرف والدور العظيم والمتميز جداً.
المجتمع الذي نصر النبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، وحظي بوسام شرفٍ كبير، سمَّاهم الله، الله “سبحانه وتعالى” سمَّاهم بالأنصار، هذه تسمية من الله، من الله، ولها دلالة كبيرة، وتعتبر بالفعل وساماً عظيماً ومشرِّفاً، عندما يسميهم الله “سبحانه وتعالى” بالأنصار، الذين نصروا رسول الله من الأوس والخزرج، واستقبلوا هذه الرسالة في بلادهم، وكانوا أنصاراً للنبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، آمنوا، ونصروا، وتميزوا بأن إيمانهم وإسلامهم لم يكن فقط مجرد إقرار، بل تجنَّدوا، وانطلقوا بكل إمكاناتهم: بأنفسهم، وبأموالهم، وبكل جهودهم، لنصرة هذه الرسالة الإلهية.
والعوامل الثلاث ذات أهمية كبيرة، يجب الاستفادة منها- أيضاً- في كل زمان ومكان؛ لأنها عوامل تؤهل أي مجتمع للقيام بالدور العظيم، الدور المشرِّف، في التحرك على أساس هدي الله ورسالة الله “سبحانه وتعالى”.
وتحدث القرآن الكريم عن هذه العوامل الثلاث، في ذلك المجتمع الذي نصر الرسول، واستقبله، وآواه، فيقول الله “سبحانه وتعالى”: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ}، يتحدث قبل ذلك عن المهاجرين ، ثم يقول بعد ذلك: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر: الآية9].
هذه العوامل العظيمة والمهمة جداً نحتاج إليها على المستوى التربوي، على مستوى واقعنا كشعبٍ يمني، وعلى مستوى أمتنا الإسلامية بشكلٍ عام، هي ذات أهمية كبيرة جداً في تأهيل الأمة للنهوض بدورها، دورها الحضاري، دورها الرسالي، دورها في الحركة في هذه الحياة على أساس مبادئها، وقيمها، وأخلاقها، والتمسك بدينها، وقرآنها، ونبيها:
• العامل الأول: يقول الله “سبحانه وتعالى”: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}:
القلوب السليمة من الأحقاد والضغائن، القلوب المعمورة بالمحبة، المحبة لمن يتحرك معهم ضمن هذه الرسالة العظيمة، ضمن هذه المبادئ العظيمة، لمن يحمل معهم هذه القضية المقدَّسة، فهم يحبونه، فالحب هو العنوان الأول، المحبة، صفاء القلوب، والمحبة لمن تجمعه بك القضية الواحدة، المبدأ الواحد، التوجه الواحد، هذا الحب يعني السلامة من الأنانية، يعني التخلي عن العقد الشخصية، والطموحات الشخصية، التي قد تؤثِّر على الإنسان، فتجعله يحقد على هذا، ويحسد هذا، ويحمل الأنانية تجاه هذا، ويتعقَّد من هذا، ويسيء إلى هذا، والأمة بحاجة إلى أن تتحرك على نحوٍ جماعي؛ لأن المسؤولية مسؤولية جماعية، والقضية قضية جماعية، والمسيرة مسيرة جماعية.
مسيرة الإسلام هي مسيرة جماعية، فمن أول متطلباتها الأساسية: هو أن يحمل من يتحرَّكون فيها المحبة لبعضهم البعض، وصفاء القلوب على بعضهم البعض، وأن يتخلَّصوا- بالتالي- من كل الآثار السيئة التي تؤثِّر على ذلك، من كل ما يحرِّك الأضغان، والأحقاد، والأنانيات، والحساسيات، والعقد في النفوس، على البعض تجاه البعض الآخر، على الإنسان، أو في الإنسان تجاه الآخرين، وهذه نقطة مهمة جداً.
هذا عامل مساعد لأن تكون الأمة أمةً واحدة، تتحرك في موقفها الواحد، في قضيتها الواحدة، كالبنيان المرصوص، كالجسد الواحد، وهذا يجعل منهم أمة تتحرك بفاعلية عالية، بقوة كبيرة، بمجهود جماعي منظَّم، وفاعل، ومؤثِّر، ومنتج، ومثمر.
وإلَّا إذا غاب هذا الجانب؛ فيصعب عليهم أن يتحركوا كأمةٍ واحدة، كبنيانٍ مرصوص، بجهدٍ موحَّد، بعملٍ منظَّمٍ متكامل، وتسود فيما بينهم حالة الفرقة، الضغائن، الأحقاد، العقد، التأثيرات السلبية على الواقع العملي، على الأداء العملي، الذي تشوبه الاحتكاكات، تشوبه التعقُّدات، تشوبه العراقيل الناتجة عن الأنانيات، وهذه نقطة في غاية الأهمية، أتمنى أن يكون هناك استيعاب كبير لها، الأمة في هذه المرحلة في أمسِّ الحاجة إلى الاستيعاب لها، وإدراك أهميتها.
• ثم يقول: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا}:
روحية العطاء هي روحية مهمة جداً، ومحبتك الخير للآخرين من حولك، وأن تريد لهم الخير، وأن تحب لهم الخير، هذه علامة تدل على خيريتك في نفسك، على أن في نفسك الخير أنت، أنت إنسانٌ يحمل الخير، ويحمل إرادة الخير للآخرين؛ وبالتالي لا حساسية عندك إذا أعطي هذا، أو أعطي ذاك، شيئاً مما يحتاج إليه في حياته، لن تمثل مثل هذه الأمور حساسيات وعقد.
ونجد كم تمثل من إشكاليات في الواقع الذي لا يُبنى على هذا الأساس التربوي، تكون مسألة الجوانب المادية، وما قد تراه أُعْطِيه هذا، أو يُعطَى لذاك، شيء مادي، مساعدة مادية، أشياء مادية في إطار سدِّ حاجة، أو في إطار احتياج لعمل، أو متطلبات لمسؤولية، أو لحاجة، هذه مسألة تؤثِّر على الكثير من الناس، وتكون سبباً من أسباب تعقُّدات البعض، فيكون مستاءً من أخيه ذاك، أو من صاحبه ذاك، أو من رفيقه ذاك، عندما يرى أنه أعطي شيئاً لسدِّ حاجته، أو لحاجةٍ عملية مثلاً.
وهذه النقطة مهمة جداً، إذا لم يحمل أي مجتمع من المجتمعات، تجمعه قضيةٌ واحدة، ومبدأٌ واحد، إرادة الخير للجميع؛ فيكون هذا منشأً لظهور حالات الأنانيات، والتعقُّدات، والاستياء، والحساسيات الشديدة، ينتج عن ذلك: الفرقة، الخلاف، التباين، ضعف التعاون، خلل في مستوى كذلك تظافر الجهود، وتفرق وتباين يؤثِّر على الواقع العملي، يؤثِّر على الموقف، يضعف من مستوى الموقف، فتكون أي أمة، أو أي مجتمع، يعاني من تلك الإشكالات ضعيفاً، لا يستطيع أن يشكِّل موقفاً جماعياً قوياً كما ينبغي، ولا يستطيع أن ينظِّم مجهوداً عملياً متكاملاً يؤتي الثمرة القوية والثمرة المطلوبة.
• ثم يقول أكثر من ذلك، ميزة ثالثة عظيمة جداً: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}:
هذه ميزة عظيمة جداً، ومؤهل كبير جداً، للنهوض بالمسؤوليات الكبيرة، والمواقف الكبيرة، والأعمال العظيمة، أن يكون الإنسان ليس فقط يحمل إرادة الخير للآخرين، ولا يتعقَّد عندما يرى خيراً لدى الآخرين، بل أكثر من ذلك: يُؤْثِر على نفسه، حتى في الظروف الصعبة، {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، وهذه روحية عالية جداً، أن يكون الإنسان إلى هذا المستوى، في أخلاقه، في روحيته، في إخلاصه لقضيته، لمبدئه، لموقفه، فهو إلى درجة الاستعداد أن يُؤْثِر على نفسه، عنده اهتمام كبير بقضيته، بمبدئه، بموقفه، عنده استعداد عالٍ للتضحية، للبذل، للتقدمة، عنده اهتمام كبير بنجاح الموقف، والوصول إلى الغاية، ولو قدَّم ما قدَّم، ولو آثر على نفسه، {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، حتى في الظروف الصعبة، حتى عند الحاجة الشديدة.
ففي مقابل العوامل السلبية الثلاث في أكثرية المجتمع المكي القرشي آنذاك، برزت هذه العوامل الإيجابية الراقية في مجتمع الأنصار، فكانوا هم الأنصار.
آل واقع المجتمع المكي القرشي آنذاك إلى الخسارة، حارب الإسلام، لكنه فشل، وخسر، خسر معركته، وخسر موقفه، وخسر أن يحظى بهذا الشرف العظيم، والإسلام انتصر؛ لأن الإسلام كان حتماً سينتصر، هو حتماً سينتصر أيضاً، هذا الدين مكتوبٌ له في بدئه وفي مستقبله الانتصار، {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.
فالمجتمع (مجتمع الأنصار) حظي بشرفٍ كبيرٍ جداً، والإسلام انتصر، وعلت رايته، وأولئك في يومٍ من الأيام وقفوا كطلقاء مستسلمين في مكة، عندما فتح الله مكة لنبيه “صلوات الله عليه وعلى آله”، وخسروا هذا الشرف العظيم.
هذا الدرس المهم نحتاج إليه في هذا الزمن، نحتاج إليه في كل مرحلة، وفي كل مكان، أسس ذات أهمية كبيرة جداً على المستوى التربوي، حتى ضمن التوجه النهضوي، للأمة التي تنهض، للأمة التي لها قضية كبيرة، وتواجه تحديات كبيرة، تظهر أمامها العوامل السلبية؛ لتحذر منها، والعوامل الإيجابية؛ لتأخذها بعين الاعتبار، على المستوى التربوي والتثقيفي، وعلى مستوى الانطلاقة العملية.
هذا هو المحور الأول من حديثنا، وأخذ حيزاً؛ لأهمية الموضوع، فنحن بحاجة ماسَّة إلى الاستفادة من سيرة النبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، وللاستفادة من التاريخ.
أمَّا المحور الثاني: فهو يقتصر على الحديث عن أبرز التطورات، التي حصلت في العام هذا المنصرم، الذي نحن في نهايته، وقادمون على العام الجديد.
– من أبرز التطورات التي يجب التوقف عندها، وتسليط الضوء عليها، هو: ما قام به النظام السعودي في العام المنصرم، من منعٍ للمسلمين من الحج، ما عدا عددٍ محدود من داخل السعودية:
ويتذرع بكورونا، وهذا أتى أيضاً للعام الثاني، يعني: منع أول عام، وثاني عام.
هذه الخطوة نعتبرها خطيرةً جداً، وسلبيةً للغاية، وتمثل إساءةً كبيرةً جداً إلى المَعلَم الإسلامي العظيم المقدَّس، إلى بيت الله الحرام، وإلى ركنٍ من أركان الإسلام وهو الحج، ولا نرى أبداً في التذرع بكورونا مبرراً للنظام السعودي في أن يمنع المسلمين من الحج، من مختلف أرجاء المعمورة.
من أهم ما يرتبط بالحج كمَعلَمٍ إسلامي، ويمثِّل طابعاً أساسياً له: أنه مَعلَمٌ عالمي، وأنَّ فريضة الحج بنفسها- كركنٍ عظيمٍ من أركان الإسلام- هي تحقق هذا الهدف، الله “سبحانه وتعالى” يقول عن بيته الحرام: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا}[البقرة: من الآية125]، يقول عن فريضة الحج منذ عصر نبي الله إبراهيم “عليه السلام”: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}[الحج: الآية27]، يقول “سبحانه وتعالى” أيضاً في القرآن الكريم، وهو يتحدث عن عالمية الحج، وأهميته في ذلك: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران: من الآية97]، يقول عن البيت الحرام: {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}[الحج: من الآية25]، طابع عام للحج: أنه مَعلَمٌ عالميٌ، لا يقتصر على بلد معين، ولا على قطر معين، ولا على دولة معينة.
فعندما يأتي النظام السعودي ليَقصُر الحج على بلد معين، وعلى المقيمين فيه، ولعددٍ محدودٍ من داخل ذلك البلد، فهذا انتهاك لحرمة هذا الركن، ولحرمة هذا المَعلَم الإسلامي العظيم والمقدَّس، وهذه خطوة وخطيئة خطيرة جداً، نحن نندد بها.
نحن نلحظ أنَّ الكثير معظم الدول كانت متفهمة لهذا الموقف السعودي، وقبلت- إلى حدٍ كبير- بالتبرير السعودي، ولكننا نعتبره غير مقنع، ولا مشروع أبداً، ذلك التبرير السعودي؛ لأنه بالإمكان، مهما كان هناك من أوبئة، أو أي ظروف، بالإمكان أن تؤخذ بعين الاعتبار، وأن يبقى للحج دوره العالمي، وأن يبقى لبيت الله الحرام دوره العالمي، {مَثَابَةً لِلنَّاسِ}، وليس هناك أبداً ما يمنع في أي مرحلة من المراحل، ولا في أي ظرفٍ من الظروف، أن يتجه حجاج بيت الله الحرام من كافة الأقطار، من كافة أرجاء المعمورة إلى الحج، إلَّا عندما يأتي من البشر من يمنع ذلك، ويعيقه كجريمة، كجريمة، وعمل غير مشروع أبداً.
ولذلك نحن نطالب النظام السعودي أن يكف عن هذا المنع، أن يفتح المجال للناس للحج والعمرة، الحج في موسم الحج، والعمرة في مواسمها، وأن يكف عن هذه السياسة الخطيرة جداً، في حصر مسألة الحج على قُطرٍ معين، أو بلدٍ معين، كما نطلب ممن يتقبَّلون التبرير السعودي من مختلف عالمنا الإسلامي أن يعيدوا النظر؛ لأن مسألة الحج مسألة مهمة جداً، مسألة بيت الله الحرام، وأن يبقى مَعلَماً عالمياً، مسألة أساسية أن يبقى مَعلَماً عالمياً، ألَّا يتحول إلى مكان منحصر للحج من السعودية، وفي السعودية فحسب، هذه قضية خطيرة جداً، تشكِّل خطورة بالغة على العالم الإسلامي، مسألة ذات أهمية كبيرة في القرآن الكريم، وفي الدين الإسلامي.
ولذلك نحن نأمل أن يعيد الآخرون النظر في تقبلهم هذا التبرير السخيف من جانب النظام السعودي، وأن يلتفتوا إلى الضغط، والمطالبة، والإلحاح، والمتابعة الجادة، إلى أن يُفتَح المجال على المستوى العالمي؛ ليبقى للحج، وليبقى للبيت الحرام، وليبقى للمشاعر المقدَّسة في مكة، هذا الدور العالمي، الذي أراده الله لها، هذه مسألة مهمة.
والنظام السعودي فتح المجال في بقية الأمور، يعني: نشاط هيئة الترفيه فيه نشاط معروف، يفتح المجال، ولا يتذرع بكورونا، وفي أشياء أخرى لا يتذرع بكورونا، لكن هذا الموضوع موضوع خطير، وموضوع مهم جداً.
– من التطورات والأحداث المهمة التي حصلت خلال العام هي: عملية سيف القدس في فلسطين:
وكانت حدثاً مهماً، وعمليةً مهمةً جداً، وأهميتها الكبيرة من كل الجوانب، فهي أتت في مرحلة اتجه فيها العدو الصهيوني الإسرائيلي للاستهداف المباشر للمسجد الأقصى، وأتى هذا الرد الذي سعى لمنع العدو الصهيوني من الاستمرار في خطوات خطيرة جداً، كان يريد أن يَقدِم عليها فيما يتعلق بالمسجد الأقصى والقدس، وكانت خطوة موفَّقة جداً من حركات المقاومة الفلسطينية، والإخوة المجاهدين في فلسطين، ومنَّ الله فيها بنصر كبير، وللنصر هذا دلالته الكبيرة جداً.
طبعاً هذا التطور يأتي لأول مرة في فلسطين بهذا المستوى، بهذه الطريقة، عادةً يحصل مثل هذا الاشتباك الكبير مع العدو الإسرائيلي في إطار الهجمات، التي ينفِّذها العدو الصهيوني على الإخوة الفلسطينيين في غزة، أو في بعض المدن، لكن هذا الموقف أتى كموقف إيماني، مبدئي من جانب الإخوة المجاهدين في فلسطين، وحركات المقاومة في فلسطين، وأتى ابتداءً كموقف حازم وقوي من هذه المنطلقات الإيمانية والدينية، فكان موقفاً موفَّقاً، وحظي بنصر الله “سبحانه وتعالى”.
كان مما برز أثناء هذا الحدث: هو الفرز، الفرز الكبير في الموقف بالنسبة للواقع العربي بالدرجة الأولى، عندما افتضح المطبِّعون الموالون لإسرائيل، وكانوا في موقفهم السلبي إلى جانب العدو الإسرائيلي، يبررون له، ويدافعون عنه، وفي وسائل إعلامهم يلومون المجاهدين في فلسطين، يلومون حركات المقاومة في فلسطين، ينتقدونها، يسيئون إليها، ويحاولون أن يقدِّموا دعماً معنوياً وإعلامياً للعدو الإسرائيلي، كان هذا واضحاً في أداء النظام السعودي والنظام الإماراتي، وفي وسائل الإعلام التابعة لهما، ومن خلال الإعلاميين المنتسبين للسعودي وللإماراتي، الذين كانوا أبواقاً تصيح، وينفخ فيها الشيطان، لخدمة العدو الإسرائيلي، للتشكيك بأحقية الموقف الفلسطيني، لدعم الموقف الإسرائيلي على المستوى المعنوي، ولكنهم فشلوا وخسروا، خسروا هذه المعركة، كما خسرها العدو الصهيوني الإسرائيلي.
فلذلك كان هذا حدثاً مهماً، وقدَّم دلالات مهمة جداً، ويبين الخسارة للمطبِّعين الموالين لإسرائيل، سواءً السعودي، الإماراتي، آل خليفة… وغيرهم، غيرهم ممن يوالي الإسرائيليين، ويطبِّع معهم، أنه في اتجاه الخسران، العدو الإسرائيلي حتماً سيخسر، ومن يواليه ويطبِّع معه حتماً سيخسر، هذا هو وعد الله في القرآن الكريم.
طبعاً كان من أغرب ما برز آنذاك: أنَّ النظام السعودي كان حسَّاساً جداً، تجاه من كان له موقف مساند، لحركات المقاومة الإسلامية في فلسطين، والمقاومة الشعبية في فلسطين، فمثلاً:
– موقفنا في اليمن.
– موقف الجمهورية الإسلامية المتقدِّم على كل المساندين للقضية الفلسطينية والقوي جداً، المساند بشكل تام للإخوة المجاهدين في فلسطين.
– موقف حزب الله في لبنان المتقدِّم جداً، والقديم.
– الموقف في العراق، في سوريا…
موقف حركات المقاومة، موقف محور المقاومة بشكل عام، كان محل انتقاد كبير، وحساسية بالغة لدى النظام السعودي والإماراتي، فالنظام السعودي والإماراتي، ومن خلال وسائلهم الإعلامية، كانوا يلومون حركات المقاومة في فلسطين، لموقفها ابتداءً ضد العدو الصهيوني، وينتقدونها ويلومونها على أساس هذا الموقف المساند من محور المقاومة، ابتداءً من إيران، ثم بحزب الله، ثم في حركات المقاومة، وشعوب المقاومة والجهاد والتحرر على مستوى المنطقة بشكل عام، إلى درجة أنَّ بعض حركات المقاومة باتت تشعر- نتيجةً لتلك الحملات الإعلامية- بالخجل والإحراج، والإحراج إلى حدٍ ما، وبالذات الحساسية تجاه موقفنا في اليمن، كان هناك حملات شديدة جداً استهدفت حركة حماس بشكل كبير، وكأنَّ موقفنا في اليمن مشكلة عليها.
نحن نأمل أن يفهم الجميع في عالمنا الإسلامي، وعلى المستوى العربي، في إطار هذا الموقف الإسلامي، أنَّ مسؤولية الجميع أمام الله “سبحانه وتعالى”، المسؤولية الإنسانية، والأخلاقية، والدينية، المسؤولية بكل الاعتبارات: القومية، والوطنية… وغيرها، هي أن يقف الجميع مع الشعب الفلسطيني في قضيته العادلة، وضد العدو الإسرائيلي، هذا هو الموقف الحق، من يقف هذا الموقف، هو يقف الموقف الصحيح، الموقف المنسجم مع انتمائه للإسلام، المنسجم مع الحق، من يشذ عن هذا الموقف، فالخطأ عنده.
نحن لو يغيِّر النظام السعودي موقفه السلبي تجاه فلسطين، والقضية الفلسطينية، وحركات المقاومة والجهاد في فلسطين؛ لأشدنا بموقفه، لو يتقدَّم بالدعم لحركة حماس، والمساندة لحركة حماس؛ لارتحنا لهذا الموقف، لما كان هناك أي حساسيات من جانبنا، بل إننا نتمنى أن يتنافس كل أبناء الأمة في دعم الشعب الفلسطيني، وفي مساندة الشعب الفلسطيني، وفي الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، ستكون هذه إيجابية كبيرة، لو يكون هذا هو التوجه السائد لدى كل أبناء الأمة.
نحن على مستوى بلدنا اليمن، قلنا وأكدنا، عبر كل الوسائل، إعلامياً، وفي غير الوسائل الإعلامية، حتى من خلال الرسائل، قلنا: لا حساسية عندنا أن يكون هناك اهتمام بدعم حركة حماس، وكل حركات المقاومة والشعب الفلسطيني، لا حساسية عندنا في ذلك، نتمنى من الجميع أن يتجه لدعم المقاومة في فلسطين، لدعم الجهاد في فلسطين، نتمنى من الكل أن يكون إلى جانب الشعب الفلسطيني، ولن يكون عندنا تعقُّد، أو استياء، أو حساسية، أن تكون حركات المقاومة والجهاد في فلسطين إيجابية تجاه أي نوع من أنواع التعاون، أي موقف إيجابي تجاهها، من أيٍّ من أبناء الأمة، دولة هنا، أو دولة هناك، أي نظام، أي شعب، أي حركة، أي جهة، أي طرف، نحن لا مشكلة عندنا أن تكون حركات المقاومة والجهاد في فلسطين منفتحة على كل أبناء الأمة، وإيجابية تجاه كل أبناء الأمة، وتحظى بالدعم من كل أبناء الأمة.
ولكن المشكلة في واقع الحال: مشكلة النظام السعودي مع حركة حماس، ومشكلة النظام الإماراتي مع حركة حماس، في حقيقة الأمر يعود إلى المقاومة ضد العدو الإسرائيلي، الجهاد في فلسطين، النصرة للمقدسات، الموقف المبدئي، والأخلاقي، والإسلامي، والإنساني، والوطني، والقومي، لحركات المقاومة في فلسطين، هذا هو نقطة الخلاف الحقيقية، بقية الأمور هي تتبع هذه النقطة فقط.
ولذلك وتبعاً لذلك نلحظ ما صدر بالأمس، من الأحكام الجائرة، الظالمة، الباطلة، بحق الرهائن الفلسطينيين، المعتقلين والأسرى الفلسطينيين، الذين اختطفهم النظام السعودي، وسجنهم لفترة طويلة، وعذَّبهم في السجون، وظلمهم، لماذا؟ ما هو ذنبهم؟ ما هي مشكلتهم؟ ما هي القضية التي دفعته إلى أن يتعامل معهم بهذا الشكل؟ النصرة للمقاومة، الدعم للمقاومة.
النظام السعودي ما قبل إصدار أحكامه الجائرة الباطلة، وعندما أصدر هذه الأحكام الجائرة الباطلة، هو يقول ويعلن: أنه يعتبر دعم المقاومة الفلسطينية في تصديها للعدو الإسرائيلي، في دفاعها عن المقدسات في فلسطين، في دفاعها عن الشعب الفلسطيني، في سعيها لاستعادة فلسطين، يعتبر ذلك جرماً، جرماً يحاسب عليه من يفعله، ويعاقب عليه من يفعله.
وهذه مشكلة كبيرة جداً، أن تقدم مسألة الدعم للشعب الفلسطيني، والدعم للمقاومة في فلسطين، والموقف من الاعتداءات الإسرائيلية، الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني المسلم، الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات في فلسطين، أن يعتبر هذا الموقف جرماً لدى النظام السعودي، كما هو- بالتأكيد- لدى النظام الإماراتي، ولدى آل خليفة، وربما يلحق في ذلك بقية المطبعين، هذه مسألة خطيرة جداً، هذا انحراف كبير، انحراف كبير، وخلل كبير، وارتداد عن مبادئ إسلامية عظيمة، عن قيم إسلامية عظيمة، ومخالفة صريحة للقرآن الكريم.
ولذلك هذا الانحراف مدان، مدان ومستنكر، ويمثل إشكالية حقيقية في واقعهم، وهو يُعَبِّر عن توجهٍ منحرفٍ، يشخصه القرآن ويوصفه القرآن الكريم بالنفاق، عندما تجعل موقف المقاومة الفلسطينية، وجهادها ضد العدو الإسرائيلي، المغتصب لأرضها، المعتدي على شعبها، المنتهك لحرماتها، المعتدي على مقدساتها، تجعل منه جرماً، أنت هنا تخالف القرآن، وتوالي أعداء الإسلام، وموقفك هو جوهر الخيانة، هو عين الخيانة، هو ذات الخيانة للإسلام والمسلمين، هذه حقيقة واضحة جداً، وحقيقة جلية.
كما أن الموقف السعودي- بلا شك- هو أيضاً تودد إلى العدو الإسرائيلي، هو يتودد بهذه الخطوة، بموقفه السلبي، بموقفه المعادي للقضية الفلسطينية، للشعب الفلسطيني، للمقاومة في فلسطين، وتجريمه للفعل نفسه، للمقاومة ولدعم المقاومة، هو توددٌ- بحد ذاته- للعدو الإسرائيلي، سعيٌ لتقديم خدمة للعدو الإسرائيلي، تعبير عن الولاء للعدو الإسرائيلي، هذه قضية خطيرة وانحراف كبير، ويمثل مشكلة عليهم، ويبين أن المشكلة من جانبهم هم، المشكلة في الموضوع هي مشكلتهم هم، ومن جانبهم هم، ليست المشكلة عندنا، ولا عند أي طرف، عند أي شعب، عند أي نظام، عند أي حركة، في إطار محور المقاومة، المشكلة عندهم هم.
ولذلك نحن كما ندين أيضاً ما صدر بحق المخطوفين- نحن نسميهم بالمخطوفين- الفلسطينيين لدى النظام السعودي، نؤكد من جديد استمرارنا في العرض الذي عرضناه على النظام السعودي في عملية التبادل، أن نقدم له من ضباطه، وفي مقدمتهم طياريه الأسرى لدينا، في مقابل الإفراج عن هؤلاء الأعزاء، الإخوة الفلسطينيين الذين صدرت بحقهم الأحكام الجائرة والباطلة عليهم.
– في السياق نفسه أيضاً، ومن آخر تطورات العام الماضي هو: ما حصل من تطورات في جنوب لبنان:
– بدايةً بالاعتداء الإسرائيلي، بالغارات التي شنها طيران العدو الإسرائيلي في جنوب لبنان؛ لكسر المعادلة القائمة في لبنان.
– ثم لموقف حزب الله، الموقف البطولي والموقف العظيم، في الرد، وفي تثبيت المعادلة، معادلة الردع في لبنان.
طبعاً أشدنا بهذه الخطوة من وقته وحينه، ونحن دائماً نؤكد أننا إلى جانب المقاومة في لبنان، وإلى جانب حزب الله، إلى جانب كل حركات المقاومة، وكل القوى في محور المقاومة، في الموقف من العدو الإسرائيلي.
العدو الإسرائيلي هو عدوٌ للأمة بكلها، يشكل خطورةً على الأمة بكلها، وبحمد الله أن أصبح هناك توجه لهذه القوى الحرة في أمتنا، لتتكاتف وتتظافر جهودها في التصدي لهذا العدو، ولتكون كلمتها كلمة واحدة.
في مقابل المتخاذلين، الذين دائماً تتوجه انتقاداتهم إلى الموقف الصحيح، ينتقدون الموقف الصحيح، الذي هو موقف حق، موقف عادل، موقف الرد، موقف التصدي للاعتداءات الإسرائيلية، للعدوان الإسرائيلي، وبات الأمر واضحاً في واقعنا في هذه الأمة، عند أي اعتداء إسرائيلي لا يقابل لا بإدانة جادة، ولا باستنكار شديد، ولا تتحرك الوسائل الإعلامية لدى البعض، لتستنكر الاعتداء الإسرائيلي، سواءً في فلسطين، أو في لبنان، أو في سوريا، أو في أي بلد، لكن عندما يأتي التصدي للعدوان الإسرائيلي، عندما يأتي الموقف الحق، الموقف العادل، في التصدي للعدوان الإسرائيلي والجرائم الإسرائيلية، تأتي الانتقادات والتشكيكات، وتتحرك وسائل إعلامية لقوى النفاق والخيانة والعمالة في الأمة، لكن هذا لا يضر، ولا يؤثر.
على العموم نحن نشيد بموقف حزب الله، نؤكد أننا دائماً إلى جانب حزب الله، وحزب الله هو في رأس الحربة، وفي الصدارة، في التصدي للعدو الإسرائيلي، وهو في الموقف القوي، والموقف المنتصر، هو الذي في جولات الصراع- ومنها ما حصل على مستوى تراكمي إلى عام ألفين، ثم في جولة عام ألفين وستة- من ألحق بالعدو الإسرائيلي أكبر الهزائم، أكبر الهزائم، ولذلك لا قلق على موقف حزب الله، ولا على حزب الله، لكننا- على كل حال- نعلن تأييدنا لموقف حزب الله، وأننا في محور المقاومة، وإلى جانب محور المقاومة، في كل قواه الحية والحرة.
– ربما قد يكون من أبرز التطورات في العام المنصرم: ما يجري في أفغانستان:
ومهما تكن الخلفيات لما يجري في أفغانستان، ومهما يكن هناك من تفسيرات لطبيعة ما يجري، إلا أن النقطة المهمة في طبيعة ما يجري في أفغانستان هي: أنه بات واضحاً فشل الاحتلال الأمريكي المباشر، أن أمريكا فاشلة، وعاجزة من أن تتمكن من الاحتلال المباشر والسيطرة المباشرة على بلدٍ من بلدان أمتنا، هذه مسألة واضحة، وتجلت بشكلٍ واضح في أفغانستان، ولهذا الأمريكي لجأ إلى الانسحاب المباشر، وبالتأكيد أن لديه خططاً بديلة، لتغذية المشاكل والحرب الأهلية في داخل أفغانستان.
لكن هذا- بحد ذاته- فيه درس كبير، درس كبير يقدم الصورة الحقيقية لعجز أمريكا، وضعف أمريكا، ليست كما يتصورها البعض.
وثانياً: يقدم أيضاً درساً كبيراً لخسارة من يعتمدون على أمريكا: أن نهايات أمرهم هي الخسران، هي الفشل، هي الضياع، فهو درس مهم جداً في هذه المرحلة في داخل بلدان أمتنا.
المحور الثالث: يتعلق ببلدنا
طبعاً يستمر العدوان على بلدنا، ونحن في العام السابع، بعد وضوح فشل هذا العدوان من تحقيق أهداف تحالف العدوان، وبعد وضوح أن مسارهم أصبح إلى انكسار وتراجع، وهذه مسألة أصبحت معروفة عالمياً، وواضحة جداً، إلا أن العدوان يستمر، ويستمر معه الحصار، وبتشديد، تشديد للحصار على شعبنا اليمني.
– لا شك أن من أهم العوامل في استمرار هذا العدوان، وفي مقدمتها هو: الموقف الأمريكي والبريطاني:
الأمريكي والبريطاني كُلٌّ منهما بطبيعة أجندته لاستهداف هذه الأمة، بطبيعة مؤامراته ضد هذه الأمة، بطبيعة برامجه وأنشطته ضد شعوب هذه الأمة، هو يريد أن تبقى المعارك، والحروب، والصراعات، والنزاعات، مستمرة في بلدان أمتنا، هذه هي استراتيجية أمريكية وبريطانية، وسياسة للأمريكيين والبريطانيين، وإن أظهروا أحياناً على مستوى المواقف الإعلامية كلاماً مختلفاً عن ذلك، فهو لذر الرماد في العيون- كما يقال- ولتضليل الرأي العام؛ لأن المسألة مخزية، المسألة تعبر عن وحشية، وعن نزعة إجرامية وتسلطية، لكلٍ من الأمريكي والبريطاني، حيث تسفك دماء شعوب أمتنا، تستمر الجرائم المروعة بحق هذه الشعوب، برعايةٍ من الأمريكيين والبريطانيين، ويشترك معهم الإسرائيليون في ذلك بشكل، أو بآخر.
على العموم الدور الرئيسي لاستمرار هذا العدوان هو للأمريكيين والبريطانيين، وهذه مسألة معروفة، وتحدث حتى بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي: أن أمريكا لو أرادت بجد وقف هذا العدوان، وقررت، لتوقف في نفس اليوم الذي تتخذ فيه هذا القرار، هذا العدوان ما كان له أن يستمر، إلا ويستمر الغطاء الأمريكي على المستوى السياسي، وتقديم الدعم اللوجستي والمعلوماتي، والإشراف الأمريكي، وإلا لا يستطيع، لا النظام السعودي، ولا النظام الإماراتي، الاستمرار في العدوان، إذا قرر الأمريكي والبريطاني التوقف عن ذلك، هذه مسألة معروفة، ومؤكدة، ولا شك فيها.
– استمرار هذا العدوان، ومن ضمن هذا العدوان الحصار الشديد على شعبنا اليمني:
الحصار جزءٌ من العدوان، جزءٌ من الحرب على شعبنا، حصار ظالم، لا يستند إلى أي مستند قانوني، ولا إلى أي شرعية أبداً، يعملون على منع وصول الغذاء، والدواء، والمشتقات النفطية، والاحتياجات العامة لشعبنا، إلى شعبنا، إلا بعناء شديد، وبتهريب، وبصعوبات كبيرة؛ وبالتالي بكلفة مالية كبيرة، ينتج عنها ارتفاع في الأسعار.
ثم الحرب الاقتصادية على شعبنا شملت جوانب كثيرة:
• شملت الاستمرار في سرقة ونهب ثروته النفطية والغازية:
شعبنا اليمني لديه نفط وغاز في مأرب، ولديه نفط في شبوة، ولديه نفط في حضرموت، هذا النفط في شبوة وحضرموت وفي مأرب لا يستفيد منه شعبنا، إيراداته النقدية والمالية لا تتجه إلى مرتبات الموظفين في اليمن، لا تتجه إلى تمويل الاحتياجات الضرورية للشعب اليمني في شماله وجنوبه، وشرقه وغربه، للمستشفيات، للاحتياجات الضرورية والأساسية، وما يباع منه- مثل: الغاز- ما يباع منه للشعب، لا يصل إلا بعناء، وبأسعار مرتفعة، فالمسألة هناك عملية سرقة، عملية نهب، عملية سيطرة على ثروة الشعب اليمني، وظلم للشعب اليمني من جانب، سرقة من جانب، نهب من جانب، سيطرة مباشرة من تحالف العدوان من جانب، وتعذيب للشعب اليمني، تجاه هذه الثروة التي هي ملكٌ له، من جانبٍ آخر.
• استمرار في التآمر على العملة الوطنية:
وهذا أمر خطير جداً، ويضر بالشعب اليمني، وهم يركزون عليه؛ لأنه كذلك، الأمريكي والبريطاني يجعلون من الحصار والمؤامرات الاقتصادية استراتيجيةً أساسية في استهداف شعوب أمتنا، ومن ضمنها اليمن، ولذلك فالأمريكي هو السباق، هو الذي بادر ابتداءً إلى العمل على مستوى الاستهداف لشعبنا فيما يتعلق بالعملة الوطنية، والبنك، تآمر ابتداءً على البنك الوطني، ثم ما بعد ذلك، ما بعد التآمر على البنك، الاستمرار في التآمر على العملة، العملة اليمنية، بأشكال متنوعة، بطباعة الكثير من العملة المزيفة، ونشرها وتوزيعها، حصل هذا مراراً وتكراراً، إلى مستوى تريليونات طُبِعت ووزعت.
وأساليب أخرى، سياسات أخرى، طرق ووسائل أخرى، كلها تهدف إلى ضرب العملة الوطنية، لماذا؟ لإفقاد الشعب القدرة الشرائية، لرفع الأسعار إلى مستوى خيالي، ليتعذب كل مواطن يمني، وبالذات أن الفئة الواسعة من أبناء شعبنا هم من الفقراء، أكثر شعبنا اليمني فقراء، وكثيرٌ منهم- كما يقال في التصنيف العالمي- تحت خط الفقر.
هذا الاستهداف للعملة اليمنية، وهم يعرفون (الأمريكي، والبريطاني، والسعودي، والإماراتي) يعرفون ويعلمون علم اليقين أن المتضرر من ذلك هم كل أبناء الشعب، في الشمال، وفي الجنوب، وفي الشرق، وفي الغرب، في كل أرجاء هذا الوطن، هو استهدافٌ شامل لكل الشعب اليمني، وهذا يكشف حقيقتهم، يكشف نواياهم، يوضح طبيعة معركتهم، حربهم هي حربٌ على كل الشعب اليمني، عداوتهم هي عداء لكل الشعب اليمني، استهدافهم هو استهداف لكل الشعب اليمني، فالمسألة هي على هذا النحو الواضح، البين، المكشوف، الذي لا يستطيع أحدٌ لديه ذرة من الإنصاف أن ينكره.
فلماذا يستهدفون الشعب اليمني كله؟ لأن عدوانهم هو من الأساس هو بهدف: تعذيب هذا الشعب بكله، السيطرة على هذا الوطن بكله، الاستعباد للشعب اليمني بكله، الاحتلال لأرض اليمن بكلها، هذا هو هدفهم من العدوان.
ليست المسألة أن لديهم مشكلة مع مكون من هذا الشعب اسمه (أنصار الله)، هل هذه الإجراءات تستهدف مكوناً واحداً، أم أنها تستهدف الشعب بكله؟ تستهدف الشعب بكله، إجراءات، تصرفات، سيطرتهم على المنافذ وبعض الموانئ، ومنعهم من وصول المشتقات النفطية، المواد الغذائية والطبية، دخول احتياجات هذا الشعب، وقيامهم بالحضر على أكثر من أربعمائة صنف من الاحتياجات العامة للشعب اليمني، هذا استهداف شامل للشعب اليمني، والكل اليوم يحسون بالتضرر.
على المستوى الاقتصادي الكل يعاني، ليس في صنعاء، بل وفي عدن، وبأكثر من صنعاء، ليس فقط هنا، أو هناك، كما في محافظات الشمال، في محافظات الجنوب، في حضرموت، في المهرة، في كل المحافظات الجنوبية، في المحافظات الشرقية، في مختلف المناطق التي هي تحت سيطرة الاحتلال، إجراءات تعسفية ظالمة.
• سعيهم أيضاً في الخطوة الأخيرة في رفع التعرفة الجمركية في عدن، مع سعيهم للسيطرة على الحركة التجارية لتكون من هناك:
هذا كله يصب في اتجاه الاستهداف الشامل، لكل أبناء الشعب اليمني.
والخونة من أبناء البلد، الذين يسمون أنفسهم بالشرعية، ولا شرعية للظلم والإجرام، لا شرعية للعمالة والخيانة، لا شرعية للفساد، لا شرعية لبيع الوطن وبيع الشعب، كيف يسمى ذلك بالشرعية؟! هذه كذبة، هذه سخافة، عنوان زائف، الخونة لا يجيدون عمل أي شيء، إلا ما كان فيه الضرر على أبناء هذا البلد، يسمون أنفسهم بحكومة، وآخر يسمونه برئيس، وآخر يسمونه بنائب رئيس، كل قراراتهم، كل إجراءاتهم، كل تصرفاتهم، ضد أبناء الشعب اليمني، استهداف للشعب اليمني، أعمال وقرارات تضر بالشعب اليمني، حرب على الشعب اليمني، في شماله وجنوبه، وشرقه وغربه، بكل ما تعنية الكلمة، استهداف واضح ومكشوف لكل المواطنين اليمنيين، بمختلف مكوناتهم، وفي مختلف محافظاتهم، هذه حقيقة واضحة.
ولذلك ما الذي يريدونه؟ ما الذي يقدمون أنفسهم به، وهم ليس لهم شغل إلا خيانة، إلا ما كان فيه ضرر، إلا ما كان فيه شر، إلا ما كان يمثل استهدافاً عدائياً لهذا الشعب اليمني؟! هذه فضيحة لهم، إجراءاتهم الاقتصادية، التي هي حرب- بما تعنيه الكلمة- على كل الشعب اليمني، فضيحة للخونة، وفضيحة للسعودي، وفضيحة للإماراتي، وفضيحة للأمريكي، وفضيحة للبريطاني، فضيحة لهم جميعاً، تكشف حقيقتهم تجاه كل الشعب اليمني، وهذه مسألة واضحة لا تحتاج إلى المزيد من الحديث، والأمريكي عندما يأتي للحديث عن السلام، والدعوة إلى السلام، وهو يرعى استمرارية العدوان، يرعى ويشرف ويدير استمرارية الحصار على الشعب اليمني، ومعه البريطاني، هو يكشف حقيقة أمره، أن كلامه مجرد خداع، مجرد خداع.
هم لو أرادوا السلام، مسألة السلام متاحة، مسألة السلام ممكنة وواضحة، نحن قلنا مراراً وتكراراً: موقفنا في هذا البلد هو الدفاع، نحن شعبٌ معتدىً عليه، مستهدف، عليه حرب تشن، جزء كبير من بلده محتل، استهداف له مستمر، حصار وحرب اقتصادية مستمرة، ولذلك موقفنا نحن نتصدى لهذا العدوان، ولهذا الحصار، لو يتوقف هذا العدوان، لو يرفع هذا الحصار، لو يتم إنهاء هذا الاحتلال، معناه: يتحقق السلام في بلدنا، تنتهي المشكلة، المشكلة الحقيقية تتمثل باستمرار العدوان والحصار.
ولذلك فمن يأتي لينادي بالسلام، وهو يرعى استمرار العدوان، فهو يقدم لنا سلاماً على الطريقة الإسرائيلية، كما يقال دائماً وعلى مدى كل السنوات الماضية في فلسطين، أليست أمريكا تتحدث دائماً عن السلام؟ تتحدث دائماً عن السلام في فلسطين، في مقابل أنها تقدم كل الدعم بشكلٍ مفتوح للعدو الإسرائيلي؛ ليستمر في الاحتلال، ليستمر في الاستهداف للشعب الفلسطيني، لتستمر الاستباحة للشعب الفلسطيني، فمفهوم السلام على الطريقة الأمريكية، والطريقة الإسرائيلية: هو الاستسلام، مضمونه، محتواه الحقيقي في اللغة العربية، ونحن عرب، لدينا الخطاب العربي، اللغة العربية، مفهومه الاستسلام، إذا كان المقصود، إذا كان الذي يطلب منك: أن تقبل بالاستباحة الدائمة، أن تقبل باحتلال أرضك، أن تقبل بأن تبقى محاصراً، وأن يبقى للآخر الحق في قتلك في أي وقت، هذا معناه استسلام، القبول بالاستباحة، واستمرارية العدوان، واستمرارية الاحتلال، واستمرارية الحصار، معناه: استسلام، هذا غير مقبول بالنسبة لنا، لا يمكن أن نستسلم.
نحن قلنا للمبعوث الأممي السابق، وقلنا للإخوة في عمان، عندما أتوا إلينا إلى صنعاء في الوساطة العمانية: نحن جاهزون، إذا كان النظام السعودي سيعلن اليوم، أو في هذه اللحظة، أو في هذه الساعة، وقف العدوان ورفع الحصار، نحن سنصدر على الفور بياناً بالترحيب، ونرحب، نحن جاهزون في أي لحظة، في أي ساعة، في أي يوم، يوقف عدوانه، يرفع حصاره، ينهي احتلاله، يقدم ما يعالج ملفات الحرب، المتمثلة بـ:
– ملف الأسرى.
– وتعويض الأضرار.
– واحترام استقلال هذا البلد.
– والكف عن التدخل في شؤون هذا البلد.
أن يكون بيننا وبينه السلام الكامل، هذا يحقق السلام، سواءً مع السعودي، أو كذلك مع الإماراتي، وغيره من المباشرين المنفذين في عملية العدوان.
على كُلٍّ المشكلة ليست عندنا، المشكلة ليست فينا، ليست المسألة أننا لا نقبل بالسلام، نحن نريد السلام لشعبنا، نحن الذين نعاني كشعب يمني، وفي مقدمة هذا الشعب الذين يتحركون في التصدي للعدوان، هم من يقدمون التضحيات، هم من يتحملون الأعباء، هم من يتحملون المعاناة، ليست المسألة أننا هواة حرب، أو هواة مشاكل، لا، المسألة هي مسألة مبدئية، لا يمكن أن نقبل بعنوان السلام فقط، وتستمر الغارات، تستمر الاعتداءات، تستمر التجاوزات، تستمر الهجمات، يستمر الحصار الخانق.
نحن قلنا لهم: إذا كانت لديكم نوايا جادة، وكان لديكم توجه جاد للسلام، فأول خطوة هي الملف الإنساني، الذي يمثل حقاً مستحقاً للشعب اليمني، وليس لكم أي مستند قانوني فيما تقومون به من إجراءات ظالمة، فيما يتعلق بالملف الإنساني والاقتصادي، أثبتوا نواياكم الجادة في ذلك، أثبتوا أيضاً فيما بعد ذلك بوقف الغارات، وقف الاعتداءات، وقف الهجمات، إنهاء الاحتلال، هذه الخطوات نحن في مقابلها جاهزون لأن نتوقف من جانبنا.
ليست المسألة أننا نصر على الاستمرار في الحرب، لكننا نصر على الاستمرار في الدفاع، نصر على الاستمرار في التصدي؛ لأن هناك عدوان مستمر، لأن هناك حصار مستمر، لأن هناك احتلال مستمر، والذي يقدم هو الكلام الزائف، لـ-كما يقال- ذر الرماد في العيون، وتضليل الرأي العام.
لذلك نحن نؤكد جهوزيتنا للسلام، لكن السلام الحقيقي، وليس الخداع، وليس على الطريقة الإسرائيلية، ونحن قدمنا في كل المراحل الكثير من المبادرات، مبادرة تلو مبادرة، وحتى عندما أتى الإخوة العمانيون إلى صنعاء في الوساطة العمانية، قدمنا مبادرات مهمة، يمكن أن يتحدث عنها الإخوة في الوفد الوطني، يمكن أن يشرحها الأخ محمد عبد السلام، رئيس الوفد الوطني، وشرحها مهم، وتوضيح ذلك مهم للشعب وللجميع.
على العموم ليست المشكلة من عندنا نحن، المشكلة هي في إصرارهم هم (المعتدون) على الاستمرار في عدوانهم وحصارهم، واستخدامهم أسلوب المراوغة، وأسلوب الخداع، والعناوين الزائفة، بدون خطوات عملية جادة، حتى على المستوى الإنساني، حتى على مستوى الملف الإنساني.
ولذلك يجب أن يكون لدى الجميع في شعبنا وفي بلدنا وعي كامل تجاه طبيعة ما يجري، تجاه ما يفعله الأعداء، معاناتنا كشعب مستمرة، كشعب يمني، مستمرة على كل المستويات، العدوان مستمر، تأتي الهجمات، تأتي العمليات الهجومية، ولا تأتي لا إدانات، ولا كلام عن السلام، فإذا تحققت انتصارات فقط، انتصارات للجيش اليمني، واللجان الشعبية، وللشعب اليمني، يأتي الحديث عند ذلك بالمطالبة بالسلام، ولكن مطالبات كلامية، دون خطوات عملية جادة، حتى على مستوى الملف الإنساني.
يجب أن يكون عندنا وعي كبير بأن الأعداء مستمرون في استهدافهم لشعبنا على كل المستويات، وعلى المستوى السياسي، والعسكري، والأمني، والاقتصادي، والإعلامي، والثقافي، الحرب علينا- كما هي على أمتنا بشكلٍ عام- هي حربٌ شاملة، والاستهداف هو استهدافٌ شامل، ويجب أن نتحلى في داخل هذا البلد بالوعي التام تجاه مؤامرات الأعداء في كل المجالات.
ثم أن نتحرك بكل جدية، للتصدي للأعداء في كل المجالات، بثبات، وبدون ملل، وبدون فتور، وبدون تراجع، وبدون ضعف، وبدون اتجاهٍ نحو اتجاهات أخرى، بدلاً عن الأولويات الرئيسية، والمسائل المهمة، ليبقى التركيز على هذه المعركة؛ لأنها معركة مهمة، الخطر فيها هو خطرٌ على استقلالنا، وكرامتنا، وحريتنا، الخطر فيها هو خطرٌ علينا في الدين والدنيا، في كل شيء، وفي حاضرنا ومستقبلنا، ولذلك يجب أن نتحرك بكل جدية في كل المجالات:
– المجال السياسي: هو معركة وساحة مهمة في الصراع مع العدو، وفي التصدي للأعداء.
– المسار الإعلامي: ويتطلب وعياً عالياً، وتركيز على هذه الأولوية، وحذر من الوقوع في مؤامرات الأعداء، وفي الشتات، الذي يجعل البعض يركز على قضايا ثانوية ومشاكل ثانية، وينسى القضايا الأهم.
– في المجال العسكري: يجب أن يستمر الرفد للجبهات، ويجب أن يكون هناك نشاط في عملية التحشيد، وفي تطوير الأداء العسكري بشكلٍ مستمر.
– على المستوى الأمني: هناك استهداف أمني، وحصلت عدة عمليات اغتيالات، ومساعي لتفجيرات واعتداءات، خلال كل السنوات الماضية، كما أُفشِلَت الكثير من مؤامرات الأعداء على المستوى الأمني، بجهود الجهات الأمنية، يجب أن يبقى الاهتمام مستمراً والجهد مستمراً.
– على المستوى الاقتصادي: والمعركة كبيرة في الملف الاقتصادي، وهي معركة الجميع، شعباً، وكذلك حكومةً، كذلك مختلف مؤسسات الدولة، هي المعركة التي يجب أن يهتم الجميع بها، كما في كل المجالات، ووفق كل الخطط والمسارات.
– على المستوى الاجتماعي: العدو يسعى لإثارة المشاكل بين أبناء المجتمع، وتفريق صفهم، وتغذية كل النزاعات والمشاكل فيما بينهم، ما بين تلك القبيلة والأخرى، ما بين تلك المنطقة والأخرى، وهكذا، يجب أن يكون هناك نشاط على المستوى الاجتماعي، للحفاظ على السلم الأهلي، ولتعزيز الجهود باتجاه المعركة الأهم.
– على المستوى الثقافي والفكري: يجب الاستمرار في التصدي للأعداء، هذه معركة مهمة جداً، وعدم الاكتراث بحمالاتهم الإعلامية، فيما يتعلق بالجهود المهمة، والعملية، في العناية بالجانب الثقافي والمجال التعليمي.
– في السياق نفسه، فيما يتعلق بمؤسسات الدولة: يجب أن تستمر عملية التطهير لمؤسسات الدولة، وإنقاذ مؤسسات الدولة من كل المدسوسين فيها، الذين يعملون لصالح الأعداء، ويسعون إلى إعاقة كل جهد حقيقي لخدمة الشعب، وللأعمال المهمة في التصدي للعدوان.
وفي ذات السياق نشيد بالموقف الحر، والموقف المهم للبرلمان في صنعاء، وموقف الأحرار فيه، وإجرائهم الأخير بتطهير البرلمان من الخونة، الذين التحقوا بصف العدوان، هذه خطوة مهمة، وخطوة شجاعة، ويجب الاستمرار في كل مؤسسات الدولة، في تطهير مؤسسات الدولة من كل الخونة والعملاء.
في آخر المطاف يجب أن نؤكد على أن معركتنا هذه في التصدي للأعداء هي معركة الضرورة، هي المعركة الحتمية التي لا مناص منها، لا بديل عنها إلا الاستسلام.
والاستسلام كلفته هائلة، الاستسلام خسارة، وذلة، وهوان، وتفريط، وخزي في الدنيا، وعذاب في الآخرة، الاستسلام خسارة في الحاضر والمستقبل، لا يمكن أن تعوض، رهيبة جداً، وكلفته هائلة على كل المستويات.
أما التصدي، أما الموقف الحق، أما الثبات، من خلال التوكل على الله، والثقة بالله، والاعتماد على الله، وكفى بالله ولياً، وكفى بالله نصيراً، أما الوعي وتحمل المسؤولية، والتحرك الجاد، واليقظة والانتباه، فهذا هو لخير شعبنا، هذا هو سبيل النصر، هذه هي طريقة العزة والكرامة، هذا الذي يضمن لنا تحقيق أهدافنا العظيمة، بالحصول على نصر الله “سبحانه وتعالى”، وباستقلال بلدنا، وحرية شعبنا، وكرامة أمتنا، وهذا هو ما يجب أن نحرص عليه؛ باعتبارنا يمن الإيمان والحكمة، اليمن الذي هوية شعبه هي الهوية الإيمانية ((الإيمان يمان، والحكمة يمانية))، وعندما نقول: ((الإيمان يمان))، يجب أن نتذكر دائماً قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: من الآية8].
أما الاستسلام فهو ذلة، والثبات عزة، والموقف القوي عزة، والتصدي لكل مؤامرات الأعداء، وظلمهم، وبغيهم، وجرائمهم، ومؤامراتهم، بالاعتماد على الله، بالتوكل على الله، بالثقة بالله “سبحانه وتعالى، وبالتسلح بالوعي، وبالتحلي بالمسؤولية، عزةٌ، وكرامةٌ، وشجاعةٌ، وفلاح.
نكتفي بهذا المقدار.
نسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفقنا وإياكم جميعاً لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛