قاسم حداد*
منذ أن عاد إلى صنعاء، من دراسته الجامعية في القاهرة، صار يدعو العالم الثقافي إلى اليمن، في ما جلس بجوار باب صنعاء لا يغادرها.حتى أن معظم الكتاب والمبدعين ربما عرفوا اليمن قبل البلدان الأخرى في جزيرة العرب والخليج.
٭ ٭ ٭
بعد زيارتي الأولى لليمن، منتصف الثمانينيات، بدعوة من عبدالعزيز المقالح، وكان وقتها رئيساً لجامعة صنعاء ومركز الدراسات اليمنية، عدت إلى البحرين وكتبت للمقالح رسالة صداقة وشكر على الدعوة، وتمنيت على اليمنيين الذين تخلصوا من حكم الإمامة، أن يستكملوا ثورتهم بالتخلص من (الإمام الأخضر) قصدت (القات) الذي عايشتُ في زيارتي كيف كان يخترق الحياة اليمنية، ويعطل حركتها نحو المستقبل. فكتب لي عبدالعزيز عن رغبته في نشر نص الرسالة كاملة في زاويته الأسبوعية في جريدة «الثورة». وكان له ذلك.
٭ ٭ ٭
عرفت اليمن كثيراً، وزرتها عدة مرات، آخرها برفقة الصديق معجب الزهراني، للاطمئنان على صحة المقالح، وقت كان مريضاً، قبل فترة من انفجار الأحداث هناك.
في اليمن، لن تحرك حجراً إلا وينبثق التاريخ في وجهك. وكان المقالح الذي يهندس لك الزيارة والتعرف على كل شيء في اليمن، يدون أن يغادر صنعاء، وهذا ما عُرف عنه طوال السنوات. حتى إنه لم يحضر، شخصياً، لاستلام جائزة العويس عندما نالها منذ سنوات، ليس فقط لأنه يتطير من السفر وبالطائرة بالذات، لكنه خصوصا يخشى ترك صنعاء وحدها، فربما لا يعثر عليها عندما يعود، وللمقالح في أمره شؤون.
٭ ٭ ٭
لم أصادف شخصاً في اليمن، صغيراً أو كبيراً، إلا ويعبر عن حبه لعبدالعزيز المقالح، حتى إن الشائعة المتعلقة بفوز المقالح برئاسة اليمن لو أنه رشح نفسه لذلك، تكاد تكون حقيقة لو أنه فعلها. وعندما يقال إن المقالح هو باب اليمن، إنما هو التعبير المناسب عما كان يصنعه عبدالعزيز لوضع اليمن في الأفق الكوني. حتى إنك إذا زرت اليمن، يسألونك: هل التقيت بالمقالح؟ فإذا أنت لم تفعل، يباغتونك بسؤال: فإذن ماذا كنت تفعل هناك؟ لكأن زيارة اليمن لا تكتمل من غير اللقاء بهذا الكائن الصامت الخجول.
٭ ٭ ٭
لم ينخرط في السياسة، لكنه لم يكن بعيداً عنها. ومواقفه من هذا الشأن كانت صارمة، حتى إن جيران اليمن، يحسبون له كثيراً، ويناصبونه الندية، لفرط اهتمامه وموقفه الجذري كلما تعلق الأمر باستقلال اليمن وحريته التاريخية، في محيط مضاد للحضارة. وفي «الساعة السليمانية» التي كانت تمثل لحظة التجلي في تخزين القات، وهو عنوان أهم كتب المقالح الشعرية، يمكنك اكتشاف العمق الروحي لعلاقة عبدالعزيز بتاريخ بلاده. ويمكننا اعتبار عبدالعزيز المقالح أحد أهم أسلحة «القوة الناعمة» في اليمن، ففي قلب هذا الكائن البسيط الساكن المسالم، ما يمكن وصفه بالجحيم الحميم الذي ينتفض إزاء كل ما يمسّ حدود حرية وتاريخ وحيوية اليمن. وكان يسعى بكل ما يمتلك من وسائل وسبل وأدوات من أجل مشاركة اليمن في حداثة الحضارة وجمالها الإنساني.
٭ ٭ ٭
نزعم أننا نعرف عبدالعزيز المقالح، لكننا كلما التقيناه في زيارة جديدة لليمن نكتشف جانباً جديداً متوارياً في تكوينه الشخصي والثقافي. ليس فقط لأنه يعرف اليمن (موسوعياً) لكنه أيضاً يعرف ابتكار ما يجعل اليمن بوابة العالم لليمنيين خصوصا.
- شاعر بحريني