يواصل معهد العالم العربي بباريس احتفاءه بنجمات الموسيقى والسينما في العالم العربي عبر معرض ضخم حمل عنوان “ديفا: من أم كلثوم إلى داليدا”، ضمّ صورا ومقتنيات لأشهر نجمات السينما والغناء العربيات اللاّتي غيّرن نظرة المجتمع الشرقي لفنون الغناء والرقص والتمثيل، وساهمن في إرساء الأفكار والتنظيرات الداعية لتحرير المرأة من السلطة الذكورية السائدة في أواخر القرن التاسع عشر.
ويكرّم معهد العالم العربي في باريس مجموعة من نجمات الغناء والسينما اللاّتي حفرن أسماءهنّ في تاريخ الفن العربي مثل كوكب الشرق أم كلثوم ووردة الجزائرية وفيروز وداليدا وسعاد حسني، وذلك في معرض حمل عنوان “ديفا: من أم كلثوم إلى داليدا” يسلّط الضوء على دور هؤلاء النساء اللاّتي لا يزلن رموزا وأيقونات خالدة في المجتمعات العربية.
وقالت هنا بوغنيم، المسؤولة عن المعرض “لقد أدركنا أنه في الثقافة المعاصرة، ما زال تراث هؤلاء الفنانات محل الكثير من الاهتمام. سواء في مصر أو لبنان لا يزلن حاضرات في كل مكان. كل هذا جعلنا نريد أن نوحدهنّ جميعا في معرض لم يسبق له مثيل”.
ويضم المعرض الذي يتواصل حتى السادس والعشرين من سبتمبر المقبل صورا ومقتنيات وفساتين لهذه المجموعة الكبيرة من الفنانات التي شملت أيضا أسماء مثل شادية وصباح وأسمهان وليلى مراد وراقصات مثل تحية كاريوكا وبديعة مصابني.
وعلى مساحة ألف متر مربع تربّع معرض الأيقونات وخصّص لكل فنانة جناحا خاصا بها، من ذلك جناح الفنانة المصرية أم كلثوم الذي أتى خلف ستارة حمراء مخملية، في مساحة مريحة تحاكي الأجنحة الخاصة في المسارح.
ويمكن التعرّف على “كوكب الشرق” كما لقّبت بسهولة من خلال نظارتها الداكنة ووشاحها الذي لا يفارق يدها ووصلاتها الغنائية التي تستمر لفترة طويلة جدا، حيث يستعرض المعرض مقتطفات من أغانيها الخالدة ومقابلاتها الصحافية التي تظهر مدى عظمة الالتزام السياسي والقومي لمن توقّفت عن الغناء بعد رحيل الرئيس المصري جمال عبدالناصر، وهي تعدّ أول امرأة في العالم العربي تصنع مسيرة فنية ضخمة بأكثر من 700 أغنية.
والأجواء نفسها تسود المساحة المخصّصة للفنانة الراحلة وردة الجزائرية، وهي التي بدأت حياتها الفنية عندما كانت طفلة صغيرة تعيش في باريس. وقد طرد والداها اللذان كانا يمتلكان ملهى ليلي بعد أن اتهمتهما السلطات الفرنسية بتوفير وتسليم الأسلحة لمناضلي جبهة التحرير الوطني الجزائرية. وهو ما تكشفه حقائب السفر الخاصة بها وتوضّحه جوازات سفرها عبر مسيرة حياتها.
وردة الجزائرية في إحدى حفلاتها الغنائية على خشبة مسرح قرطاج الأثري
جناح وردة في المعرض يبيّن أن مهن هؤلاء المطربات ارتبطت أحيانا بالمنفى والذي يمكن أن يكون حتى داخليا أيضا مثل الفنانة اللبنانية فيروز.
وتوضّح أغلفة الألبومات وملصقات الأفلام والحفلات الموسيقية والمقاطع الموسيقية في جناح فيروز مسيرة الفنانة التي ظلت وفية للبنان. وما يُثبت هذا الوفاء الذي لازمها توقفها عن الغناء عندما هوت البلاد في الحرب الأهلية وعادت إليه حين ضمّد لبنان جراحه.
كما تحضر في المعرض صور للفنانة المصرية من أصل إيطالي داليدا التي ولدت في القاهرة في العام 1933. وبدأت مسيرتها السينمائية في فيلم “سيجارا وكاس” (كأس وسيجارة)، حيث جسّدت دور الراقصة سامية جمال.
ويعود المعرض إلى الجزء المصري من حياتها وينتهي بفيلم “اليوم السادس” ليوسف شاهين، حيث لعبت الدور الرئيسي قبل أشهر قليلة من انتحارها في العام 1987.
وتشير وفاتها، وفقا للتسلسل الزمني الذي رسمه القائمون على المعرض الباريسي، إلى نهاية حقبة بارزة. الثنائي اللبناني رندا ميرزا ووائل قديح يسدلان ستار معرض الأيقونات بتركيب على شكل صور ثلاثية الأبعاد، نرى جليا العملاقة تحية كاريوكا وسامية جمال ترقصان على أنغام موسيقى ساحرة مؤلفة من مقطوعات مأخوذة من أفلام مصرية.
ويسلّط المعرض الضوء، من خلال هؤلاء الفنانات على التاريخ الاجتماعي للمرأة العربية الفنانة خاصة ومكانتها في المجتمعات الأبوية، ومشاركتها في القومية العربية وفي النضالات من أجل الاستقلال من الاستعمار. بالإضافة إلى دورها المركزي في المجالات الفنية المختلفة التي ساهمت في إحداث ثورة فيها.
فيروز وحّدت بصوتها اللبنانيين
ويدخل الزوار معرض الأيقونات العربيات من خلال ستارة طويلة من الخيوط عرضت عليها صور فوتوغرافية بالأبيض والأسود. وبعثت التقنيات التكنولوجية المستخدمة الروح في هذه الصور القديمة.
أم كلثوم، وردة، فيروز، سامية جمال، أسمهان وداليدا.. تبدو وجوههنّ منبثقة من الماضي لتروي للمُشاهد قصصا بعيدة، قصصهنّ الفنية والاجتماعية وحتى السياسية خلال ذروة النهضة بداية من أواخر القرن التاسع عشر وحتى وفاة الرئيس المصري عبدالناصر في العام 1970.
معهد العالم العربي بباريس يحتفي بالنجمات العربيات اللاّتي غيّرن نظرة المجتمع الشرقي تجاه فنون الغناء والرقص والتمثيل.
وفي خضم العروبة، استولى رواد المشهد العربي، الذين كانوا يحلمون بالتحرّر، على المسارح ومواقع تصوير الأفلام، ففي القاهرة على وجه الخصوص، بدأ كل شيء بظهور الملاهي التي قدّمت فيها منيرة المهدية، أول مسلمة ظهرت على خشبة المسرح أداء ملحوظا. كما أسّست بديعة مصابني (1892-1974) مسارح العرض وفتحتها لعروض راقصات الرقص الشرقي، رقصة الخصوبة التي كانت منتشرة عند الأسلاف.
وفي هذه الفترة قامت الراقصات بتحديث حركات الرقص الشعبي من خلال إدخال الإحساس والإثارة عليه وجعله فنا شعبيا. ودعمت هؤلاء الفنانات الفاتنات، بأزيائهن المتلألئة أيضا تطوير السينما المصرية التي لقبت حينها بـ”هوليوود على النيل”.
كما اعتمد الغناء في تلك الحقبة بشكل كبير على الأفلام، وولدت النجومية الشرقية وأخذت منتجاتها تجذب إلى القاهرة، ففي عشرينات القرن الماضي، توجّه العديد من فناني العالم العربي إلى مصر بحثا عن النجومية والخلود. كما كان الحال مع أسمهان، التي نافس صوتها الكريستالي الحزين صوت أم كلثوم.
وشقيقة فريد الأطرش كانت أميرة جبلية من سوريا، تخلّت عن عرشها وتوجّهت نحو القاهرة لتعيش فنها.. لكن الممثلة والمغنية توفيت في حادث سيارة غامض عن عمر ناهز 29 عاما، ومع ذلك ظلّ صوتها وجمالها حديث الملايين إلى اليوم.