“أخبار الأمم المتحدة”:
أكثر من نصف اليمنيين – 16.2 مليون شخص – يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وما يزيد على 5 ملايين شخص يتعرضون لخطر المجاعة بشكل مباشر، ونحو 50 ألف شخص يعانون بالفعل من ظروف شبيهة بالمجاعة، فماذا يعني ذلك على أرض الواقع؟
بالنسبة لحياة (30 عاما)، الأمر يعني هاجسا وقلقا مستمرا حول كيفية إطعام بناتها الثلاث الصغيرات، اللاتي يستيقظن في الليل ويطلبن الطعام، كما تقول حياة: “كنت أبكي الليلة الماضية وأفكر أين سأحصل على الطعام لتقديمه لهن”.
تجلس حياة في خيمتها المؤقتة التي أصبحت منزل الأسرة، وتضيف قائلة: “أضطر لأن أقول لهن إنه ليس بإمكاني إحضار الطعام. فيخلدن للنوم وهن جائعات”.
الحياة تزداد صعوبة
فرّت حياة من قريتها في تعز، وسط اليمن، في عام 2018، بعد أن سوّت ضربات جوية قريتها بالأرض. ودُمر منزلها، وقُتل زوجها.
اضطرت لبيع أساور ذهبية كان زوجها قد أعطاها لاثنتين من بناته اللتين تبلغان من العمر اليوم 4 و7 أعوام، لدفع ثمن أجرة السيارة التي فرّت بها إلى بر الأمان. وكانت حامل في ذلك الوقت بطفلتها الثالثة.
تستذكر حياة ما كانت عليه الحياة في السابق: “زوجي كان عاملا. الحياة كانت صعبة. ولكن على الأقل كان يقف بجانبي”. ومع كل عام من الصراع ازدادت الحياة صعوبة بالنسبة لها.
تعيش حياة الآن في المخا على البحر الأحمر، وهي مدينة ساحلية كانت مزدهرة ذات يوم، لكنها الآن تحمل ندوب الصراع اليمني المستمر منذ ستة أعوام: لا يذهب الكثير من الأطفال إلى المدرسة، ويلهون على أنقاض المباني التي دمرها القصف.
مساعدات من برنامج الأغذية العالمي
حياة هي واحدة من بين حوالي 13 مليون شخص في اليمن يحصلون على المساعدة من برنامج الأغذية العالمي، مثل الدقيق وزيت الذرة والحبوب والسكر والملح. لكن، بدون مصدر دخل، تلجأ حياة إلى مقايضة بعض تلك الأطعمة بسلع أخرى مثل الخضراوات.
كما يدعم برنامج الأغذية العالمي 3.3 مليون طفل وأم بالمكمّلات الغذائية لمعالجة ومنع سوء التغذية، ويقدم الوجبات الخفيفة في المدرسة إلى 1.55 مليون طفل – لتعزيز تغذيتهم وتشجيعهم على البقاء في المدرسة.
لسنوات، ظل اليمن يوصف بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ومع نهاية عام 2020 تفاقمت هذه الأزمة أكثر. وأظهر تحليل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) في كانون الأول/ديسمبر أنه لأول مرة منذ عامين، عادت جيوب المجاعة إلى البلاد من جديد.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، “بين الجوع الشديد وفقدان الحياة، دائما ما يصاب الإنسان بمرض ما”. فالجوع الشديد هو شكل خطير لسوء التغذية الحاد ويهدد الحياة لكونه يضعف جهاز المناعة، مما يجعل الجسم عرضة للإصابة بالأمراض المعدية مثل الكوليرا والملاريا والالتهاب الرئوي والحصبة.
ويؤدي سوء التغذية، حتى في شكله الأقل خطورة، إلى آثار طويلة الأجل مثل ضعف النمو البدني والإدراكي، وانخفاض التحصيل العلمي والإنتاجية في العمل، وزيادة خطر الإصابة بالأمراض والوفاة.
حتى من يقدر على كسب الرزق لا يسلم من تأثير الصراع
على بُعد أميال قليلة إلى الجنوب من المخا، في منطقة ذباب المشهورة بالصيد، يقيم سالم وزوجته وأطفالهما السبعة. وقد كان سالم يكسب رزقه من الصيد قبل الحرب، ولكن مع اندلاع الصراع، تدمر قطاع صيد الأسماك: فالشريط الساحلي ملغوم والأسواق الرئيسية للصيادين – تعز والحديدة – تقع الآن على الجانب الآخر من خطوط المواجهة.
يقول سالم: “قبل الصراع، كانت هناك فرص للعمل، وإذا أردت السفر كان ذلك ممكنا. ولكن مع النزاع، لا يمكن الذهاب إلى أي مكان”.
ويكسب سالم رزقه اليوم من جمع الحطب. لكنه يقول: “الأموال التي أكسبها لا تكفي لإعالة أطفالي. قد أتمكن من كسب بعض (المال) في يوم ما، وفي يوم آخر لا أكسب شيئا. الوضع ليس جيدا كالسابق. والآن نحن منهكون. متعبون بسبب عدم وجود طعام، ولا عمل ولا إمكانية للذهاب إلى أي مكان”.
الأسر تتخذ التدابير لمواجهة الجوع
مع كل يوم من الحرب، تنحسر قدرة اليمنيين على تحمّل الصدمات مثل ارتفاع أسعار الطعام. ينفقون مدخراتهم ويبيعون كل ما يقدرون على بيعه – الذهب والمواشي وحتى الأراضي – والكثير من الأسر قللت عدد وجباتها في اليوم إلى وجبة واحدة فقط، أو قصرت نظامها الغذائي على أرخص الأطعمة الأساسية مثل الخبز والأرز.
وبحسب برنامج الأغذية العالمي، تؤثر هذه التدابير القاسية على أصغر أطفال اليمن، نصفهم معرضون لخطر سوء التغذية في عام 2021 – أي 2.3 مليون طفل دون سن الخامسة.
وفي هذه الأثناء يتواصل الصراع، ويؤدي إلى نزوح المزيد من الأشخاص كل أسبوع. وتتواصل أسعار الغذاء بالارتفاع، فيما تتقلب قيمة الريال اليمني يوميا.
ودعا برنامج الأغذية العالمية زعماء العالم إلى الوقوف “خلف أجندة مشتركة” لمنع اليمن من الانزلاق إلى المجاعة، مشيرا إلى أن العائلات اليمنية – الجائعة والمنهكة – لا تستطيع الانتظار أكثر من ذلك.