وكالات:
أظهرت جائحة فيروس كورونا أن تهديدات الأمن العالمي لم تعد قاصرة على المجالات العسكرية أو ممارسات العنف والتطرف، بل أصبحت الأوبئة عنصرا قد يكون الأخطر بسبب الاضطرار إلى التعامل مع عدو خفي.
ومن الدمار الذي يسببه تغير المناخ إلى التهديد المستمر للحرب النووية، تشكل الأوبئة العالمية تهديدا وجوديا آخر للأمن العالمي والوطني.
ونقلت مجلة ناشيونال إنتريست الأمريكية عن الدكتورة ناهد باديليا أن أحد الأسباب التي تجعل الأوبئة العالمية تشكل مثل هذا التهديد هو أن “تفشي تلك الأوبئة يميل إلى استغلال الثغرات الموجودة بالفعل في مجتمعاتنا”.
وتضيف باديليا في الحلقة الأحدث من برنامج “برس ذا باتون” الذي يتناول قضايا الأمن القومي، أن تلك الأوبئة “تفترس أولئك الذين نتركهم في البرد. وتستشري على حساب المجتمعات المهمشة التي لا تملك نفس الموارد”.
وباديليا هي طبيبة متخصصة في الأمراض المعدية والمدير المؤسس لمركز سياسة وأبحاث الأمراض الناشئة والمعدية في جامعة بوسطن. ويهدف المركز إلى جمع الخبراء للعمل على الإجابات على الأسئلة التي تنشأ خلال الأوبئة، بما في ذلك كيفية تثقيف الجمهور حول الأمراض المعدية، ومنع المعلومات المضللة، والاستفادة بنجاح من دبلوماسية العلوم، وتقديم المشورة بشأن الحوكمة العالمية المناسبة. ويذهب هدفها إلى أبعد من ذلك للعمل على “سد أوجه عدم المساواة الصحية مسبقا حتى نجعل أنفسنا أكثر مرونة”.
وتشير باديليا إلى أن السياسة الاتحادية ليست وحدها التي تؤثر على قدرة البلاد على التعامل مع التهديدات الكارثية. وتشير إلى أن القضية الرئيسية، لا سيما في الولايات المتحدة، هي أنه “على مدى العقد الماضي شهدنا تراجع البنية التحتية للصحة العامة على مستوى الولايات”. وستزيد الميزانية المقترحة لإدارة الرئيس جو بايدن للرعاية الصحية، الإنفاق على الصحة والخدمات الإنسانية بنسبة 23% وسترفع ميزانية مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إلى 7ر8 مليار دولار، مع واحدة من أكبر الزيادات في الميزانية على مدى الإدارات الأربع الماضية.
ومع ذلك، توضح باديليا أنه في حين أن “الميزانية الوطنية مهمة لأن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها نفسها شهدت انخفاضا في التمويل خلال عهد الإدارة الأخيرة، فإن ما لا يغطيه ذلك هو التفاوت بين الولايات وهذا يتطلب المشاركة على مستوى الولاية”.
ويرجع هذا الانفصال إلى حقيقة أن “الصحة العامة في الولايات المتحدة تخضع للقطاع العام ونظام الرعاية الصحية يخضع للقطاع الخاص”.
وفي إطار البحث عن حلول، تشير باديليا إلى أن هناك مشاكل في سلسلة التوريد ومشاكل في البنية التحتية للرعاية الصحية، ولكن ما جعل الأوبئة العالمية تحدث بسهولة هو “أننا نغير العالم من حولنا”. وتوضح أن من بين هذه التغيرات تزايد عدد السكان والتدهور البيئي، ولكن أحد التحولات الرئيسية هو أن هناك المزيد من الأشخاص الذين يعيشون على مقربة من الحيوانات، مشيرة إلى أن “هذا يسمح للفيروسات بأن تحقق القفزة التي لم تكن قادرة عليها من قبل”.
وعلى رأس ذلك، تسلط باديليا الضوء على “أننا لم نتمكن من التعرف على الفيروسات الجديدة عندما تبدأ لأننا نفتقر إلى البنية التحتية للقيام بذلك. وأحد أكبر الدروس المستفادة من جائحة فيروس كورونا على وجه الخصوص هو أن ما نحتاج أيضا إلى العمل عليه هو المساواة الصحية لأن ذلك يحمي الأشخاص من الأمراض ويساعدنا أيضا على معالجة ظهور حالات إصابة جديدة”.
وتضيف أنه في كثير من الأحيان عندما “يأتي الأشخاص وتظهر عليهم أعراض للحمى والغثيان والقيء والإسهال، يتم إعطاؤهم مجرد علاج تجريبي للملاريا، ويتم إعادتهم مجددا إلى منازلهم”.
وتوضح أنه “لا توجد قدرة مختبرية على تأكيد ما إذا كانت هذه عدوى جديدة”. ولسوء الحظ، تعتقد باديليا أنه “سيتعين علينا أن نمر بهذا عدة مرات أخرى قبل أن ندرك أن هذا هو المطلوب”.
وتختم باديليا بالقول إن الحرب النووية، مثلها مثل الأوبئة العالمية، تشكل خطرا رئيسيا على مجتمعاتنا، وبالتالي على الأمن القومي. وعندما سئلت عن التحدي المتمثل في كيفية التخفيف من حدة هذه الأزمات، أشارت إلى أنه “سواء كانت حروب نووية أو أوبئة.. هذه أزمات وجودية… والكل يعاني من نفس المشكلة”.