ظلت الوحدة اليمنية هي الهدف الأسمى لثورتي سبتمبر واكتوبر الخالدتين التي انتظرها اليمنيون في عموم اليمن.
وقد مرت الوحدة بمنعطفات هامة وتأجل اعلانها كثيرا بسبب الحرب الشرسة التي شنتها الرجعية العربية ضد النظام الجمهوري في المناطق الشمالية، وبسبب المنازعات التي غرستها بريطانيا بين فصائل التحرير في المناطق الجنوبية أثناء خروجها من عدن .
ولعل الوحدة اليمنية لم ترق يوما للبريطانيين او وكلائهم في المنطقة بسبب خطورة ولادة دولة حديثة في الجوار تنضم الى صفوف الجمهوريات في العالم العربي، وبسبب انبعاث الروح العربية القومية الراغبة بالتحرر التي جعلتها عدوا للرجعية العربية في المنطقة، وبسبب الخوف من بناء دولة يمنية موحدة بدلا عن عدد من المشيخات والسلطنات والولايات المبعثرة الذي سيفقد هذه الدول مصالحها الاقتصادية والسياسية في السيطرة على ثروات اليمن وعلى موقعها الاستراتيجي التي تعول عليه لاستمرار دورها بالهيمنة على المنطقة.
وقد ساهمت هذه التدخلات في تأخير تحقيق الوحدة اليمنية بل كادت أن تؤدي باليمن الى حرب شاملة بين شطريه لولا تدخل بعض الدول العربية للتهدئة بين أطراف النزاع وتبني مؤتمر القمة العربية عام ١٩٧٢ مبادرة لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية سلميا وتشكيل لجان من الطرفين لهذا الغرض والتي استمرت في عملها حتى عام ١٩٩٠م.
وفي ٢٢ مايو ٩٠ ، تحقق حلم الشعب اليمني واعلنت الوحدة والتي كانت مفاجأة للعالم ولدول المنطقة، وخصوصا الدول المستفيدة من بقاء نظامين لليمن، والتي اعلنت الحرب على الوحدة اليمنية لتحولها من حلم وطني وقومي الى مشروع مستهدف بحروب واستقطاب من دول المنطقة لبعض العملاء من الداخل بعد أن اكتشفت انها ستكون بوجود اليمن موحدا امام دولة تملك كل مقومات البقاء والمنافسة التي تؤهلها للعب دور كبير في القضايا العربية، والتي ستخرجها من تحت هيمنتها الى فضاء التعامل الدولي، وتنقلها من فقرها واحتياجها المستمر للمساعدات ، إلي دولة ذات اقتصاد قوي ومخزون واعد بثروات طبيعية وبشرية مؤهلة تمنحها الاكتفاء الذاتي والندية مع جيرانها، وبالتالي لن يكون لهذه الدول سلطة عليها.
وقد كانت حرب الخليج الاولي للأسف والتي تلت قيام الوحدة اليمنية هي القشة التي كسرت ظهر البعير، فقد أظهرت بوضوح مدى تغلغل الولاءات للخارج المجاور ، وانقسام رؤية اليمنيين تجاه هذه الحرب التي جاءت في إطار من حرية التعبير والتعاطف لا اكثر، ولكن كانت نتيجتها عقوبات خليجية مجحفة بحق اليمن والمغتربين اليمنيين لديها، وكأن هذه الدول كانت تنتظر بعضا من سوء الفهم لتلحق بالشعب اليمني ما تستطيع من الاذى دون خوف من عقاب.
وفي الداخل تحول مفهوم الوحدة على الرغم من انجازاتها ، الى مصالح بين نظامين وليس الى مصالح بين عموم الشعب اليمني، وكأن هذه الوحدة جاءت من اجل تحقيق مصالح بعض القوى التقليدية والسياسية لتدعم طغيانها على غيرها من القوى الوطنية بإيعاز من الخارج، ولتصبح المصلحة الوطنية العلياء بالتالي مؤجلة على مصالحها الذاتية وليصبح ارتباطها بالخارج الذي يسيرها مقدما على كل علاقتها بالداخل، ويعلن الانفجار الاوضاع كلما اختلفت مصالحهم البينية او مصالحهم مع رغبة الشعب.
اليوم وبعد تعرض اليمن لهذا العدوان الهمجي تحت عنوان اعادة الشرعية واتجاه اصحابه الى شراء الذمم التي صار ت مباحة ومشرعنة لحساب اطراف اقليمية، خصوصا بعد لجوء رئيس الدولة اليها وشرعنته لهذا الانبطاح، وبعد انقسام المجتمع اليمني الى هذا العدد من القوى المتصارعة لخدمة الاطراف الخارجية التي أعلنت عن مواقفها صراحة تجاه اليمن، وبينت عدائها التاريخي له واطماعها بارضه وثرواته، لم يعد امام اليمنيين سوى اعادة بوصلة الوحدة الى اتجاهها الصحيح .
ومن هنا، اصبح من السهل رؤية من يدعون الى التقسيم ويتبنون مهاجمة اليمن الواحد يدعون الى المناطقية والمذهبية تحت مظلات خارجية دون خجل، واصبحت البلاد الى سفينة تتقاذفها المصالح وعلى مستوى أكبر وفج من الزهو والتصريح بالعمالة للخارج، وترك المواطن يتجرع كل انواع الاذلال والنهب والمهانة والمرض الذي لن يتوقف الا بإعادة تصحيح مسار العملية السياسية بكل ادواتها وتصحيح مسار العلاقة بدول الحوار.
فهل تصمد الوحدة ام تسير ككل منجز عظيم في هذا البلد الى جيوب المستفيدين الباحثين عن الاثمان دون خجل ، وهل يظل الشعب اليمني صامتا عن هذه الجرائم التي ادخلته في صراعات ثانوية لن ينجوا منها احد ؟ .. وهل سيظل المجتمع الدولي مظلة لدول النفط التي تسير قراراته ضد مصالح اليمن كدولة موحدة وهي من اوائل الدول الخمس المؤسس للأمم المتحدة وعضوا فاعلا في كل منظماتها الدولية ؟
اسئلة لا شك ان اليمنيين الذين ضحوا من أجل وحدة وسلامة وأمن هذا البلد سيبحثون لها عن اجابة وإن تأخرت !!.