النظافة، فيما لا خلاف عليه، عنوان حضارة، وتاريخ ووجود، إذ لا ترتقي الأمم بعيدا عن المظهر اللائق، والمظهر النظيف هو شخصية من يرتديه، فيقال المكان نظيف، والمدينة نظيفة، والشخص نظيف؛ دلالة عن الاعتزاز والتقدير لمعنى ودلالة النظافة.
وليس من اللائق أن يكون المكان محطاً بالقاذورات والأوساخ، ويعتد به أو يفتخر به أو يستساغ للمرء أن يتحدث عنه بغير الاشمئزاز والنظرة المتحسرة.
ولذلك ترتقي الأمم في نظر الآخرين بالقدر الذي هي عليه من النظافة، واليمن ما سميت بأرض الحضارة في سائر الزمان إلا لما كانت ترتديه من حلل الاخضرار والبهاء، سميت اليمن بالبلدة الطيبة، لأن أرضها كانت تزخر بالعطاء، وأهلها يمتازون بالنقاء، وقد شمروا السواعد في الحرث والبناء.
فما الذي حدث، حتى صرنا بهذا الحال؟ الإجابة لا تحتاج منا إلى تفكير، ولا حتى إلى تأمل، فقط كل ما هو مطلوب منا جميعا هو النظر من حولنا، بدءاً من منازلنا إلى شوارعنا إلى مصالحنا الحكومية؛ بهذه النظرة السريعة نستطيع أن نقيم ما نحن عليه من بعد حضاري، ووجود إنساني، فالمكان النظيف ساكنوه هم الأصحاء، والمكان النظيف ساكنوه أناس تلمس منهم أخلاقا فاضلة، على العكس من ذلك هو المكان غير النظيف، والبيئة بأهلها.
اجلس قليلا على ركن بعيد من شارع قصير وتأمل في المارة، ألا ترى عجب العجاب؛ المدخن سيرمي «عقب» سيجارته، والطالب سيرمي «مشمع» السندويش والسائق سيخرج فمه من نافذة سيارته «يخثل» بجمته، والذي يفصفص القرع، ومن يأكل الموز، وعلب الماء والعصائر وكل ما في الجيب ومتناول اليد أين يذهب، كله إلى الشارع، وآخر العنقود ترى رجلاً أنيقاً في ملبسه، وتقول ما شاء الله والهندام والنظافة والشياكة!! فجأة، إذا به يبحث أين يقف خلف سيارة ويعملها بلا حياء… إلخ.
إننا بحاجة ماسة إلى الوعي بمعاني ودلالات النظافة في دعوة قائدة الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله- كوسيلة ناجعة ومستأصلة للكارثة كمسؤولية عامة، وليست المشكلة مقتصرة على النظافة، ذلك أن غياب نقاء الذهن وحضور قصور الاستعداد النفسي لتحمل المسؤولية يسبب كوارث على مستويات أمور الحياة وتيسير شؤون الناس كمهمة أساسية لبناء الدولة العدلية، فالنظافة هنا هي الانعكاس الأخلاقي لأهلها، إذ أن من المعيب علينا كشعب هويته إيمانية، وصفته الحكمة ألا نرى على واقعنا أثرا لما نمتاز به من الإيمان والحكمة، بل إن النظافة أمر لا يتطلب توجيها قياديا، ولا حثا سلطويا بالضرورة، إنها واجب وقائي من منطلق حاجتنا لأن نكون أصحاء؟
ما أقصد التوصل إليه أن قائد الثورة- رعاه الله وحفظه- شدد، قبيل الدعوة إلى حملة نظافة للشوارع والمنازل والأفنية على أهمية إخراج الزكاة والإنفاق تطوعاً والاهتمام المستمر برفد الجبهات بالمال والرجال، كما أشار إلى أهمية الإقبال على الله في شهر رمضان وتعزيز الصلة بالقرآن الكريم أكثر ككتاب هداية، وذكر أن رمضان هو شهر الصبر والمواساة، وأضاف: «من أعظم أعمال البر والخير عند الله خلال شهر رمضان، هي مساعدة الفقراء والمستضعفين والمكروبين والإحسان إلى الناس وإعانة المحتاجين والمساكين».
بل إن أهم ما نوه إليه السيد عبدالملك الحوثي هو أن المسلمين يعانون من الشتات والفرقة والتباينات الثقافية والفكرية وفي الاهتمامات والمشاريع والمواقف إلى حد رهيب وكل يأتي ولديه أولويات ويحاول أن يفرضها في الساحة، مؤكداً أن الجميع بحاجة إلى الاقتداء بالقرآن الكريم وجعله أولوية والإذعان لهديه والتجرد من كل تأثيرات ثقافية أخرى، وأكد حاجة الأمة للعودة إلى القرآن والثقافة القرآنية لتبني كل توجهاتها على أساسها.
وقال، حفظه الله: «من المهم جداً في شهر رمضان الإقبال بشكل كبير على القرآن الكريم للاهتداء به، فنحن في مراحل فيها فتن وحملات تضليلية سواء ما يأتي من خارج الأمة أو من داخلها”، كما أتبع ذلك بتشديد على أهمية أن يكون هناك نشاط واسع في الساحة خلال الشهر الكريم من قبل المفكرين والعلماء على أساس القرآن الكريم والسعي لهداية الأمة بكتاب الله وتناول ما تواجهه الأمة من تحديات ومشاكل، وعكس الصورة بوعي وإدراك لعظم ما يستوجب علينا ديننا من اهتمام بالنظافة، وما يجب علينا أن نكون عليه من مظهر يليق بنا كيمن للإيمان والحكمة.
يحيى الربيعي: النظافة انعكاس أخلاقي لأهلها
التصنيفات: أقــلام