عمّان – نظّمت جمعية النقاد الأردنيين، بالتعاون مع مكتبة الأرشيف التابعة للمركز العربي للأبحاث ودراسات التنمية، مؤخرا، ندوة نقدية ناقشت فيها كتابا للباحث عباس عبدالحليم عباس عنوانه “خطاب المثاقفة وحوار الحضارات: قرن من الدراسات الأدبية والنقدية العربية المقارنة”، بوصفه يندرج ضمن مقولات الأدب المقارن والدراسات الثقافية المعاصرة.
قدم الدكتور زهير توفيق رئيس الجمعية وأستاذ الفلسفة في جامعة فيلادلفيا قراءة في الكتاب بيّن فيها أنه كتاب ذو طابع أكاديمي يتوافق والدرس الجامعي، واستعرض موضوعاته الرئيسية الموزعة على ستة فصول، موضحا أن الباحث اعتمد المنهج التاريخي الوصفي، وانطلق بداية من التنويه والتساؤل عن أهمية المثاقفة، كونها جوهر الأدب المقارن، ومنه تفرعت مجموعة الأسئلة والتساؤلات المعرفية المفتاحية المقارنة.
وسلط الباحث الضوء على إسهامات الرواد في الأدب المقارن، وخاصة محمد روحي الخالدي، الذي هضمت الدراسات المؤرخة للأدب المقارن حقه في الريادة، ثم انطلق إلى التراث، مستعرضا التفاعل الحضاري والمثاقفة بين الحضارة العربية وقريناتها في ذلك الوقت: اليونانية والفارسية والهندية، دون مخاوف الهوية والاستلاب، تطبيقا لمبدأ التعارف القرآني.
المثقفون العرب المعنيون بالمثاقفة والمقارنة فشلوا في اختراق العقل الغربي وترويج المنتجين الأدبي والفكري العربيين
ثم أشار عباس إلى دور المثاقفة والتفاعل كعامل مغيّر لثقافة الفرد والمجتمع والمؤسسات، ويلوم الكاتب على المثقفين العرب، المعنيين بالمثاقفة والمقارنة، عدم قدرتهم على اختراق العقل الغربي، وترويج ونشر المنتج الأدبي والفكري العربيين، أو إشعار الغرب بأهمية الثقافة العربية الكلاسيكية والمعاصرة. وفي السياق نفسه، تطرق الباحث إلى قدرة إسرائيل على معرفة دقائق الأمور السياسية والفكرية والثقافية العربية، على العكس من العرب الذين لا يعرفون إلا الحد الأدنى من الشأن الإسرائيلي تحت حجج واهية.
وعقّب المؤلف على القراءة المستفيضة التي قدمها توفيق، مؤكدا على جدارة الموضوع وحساسيته في إبراز مشروع عربي في الأدب المقارن بدأ مع البستاني في ترجمته لإلياذة هوميروس، ومع قسطاكي الحمصي في كتابه “علم الانتقاد”، ومحمد روحي الخالدي في كتابه “علم الأدب عند العرب والإفرنج وفيكتور هوجو”. ونبّه إلى دور المقارنين العرب كمحمد غنيمي هلال، وحسام الخطيب وعزالدين المناصرة، الذي يصب في الموضوع الرئيسي الذي يقصده الكتاب وهو تأصيل الإسهام الحقيقي لهذا المجال في تأسيس رؤى ومرتكزات حضارية تستند إلى التأسيسات الجوهرية.
وأسهمت مداخلات الحضور في إضفاء السمة الحوارية على الندوة، فناقشت الباحثة دعاء سلامة مسألة الاستشراق وتبادل المعرفة في ظل الصورة النمطية التي رسمها الغرب للشرق. وقدم الناقد الدكتور زياد أبولبن وجهة نظره في مسألة التمترس بالمركزية في الطرح، سواء أكانت مركزية عربية إسلامية أم أوروبية، فالثقافات في طبيعتها تتداخل، ولا توجد ثقافة خالصة مستقلة، وهذا ما يكشف وهم المركزية في دراسات المثاقفة وحوار الحضارات.
وانتقد الباحث الدكتور مراد بياري، في مداخلته، حالة التقديس المطلقة للتراث العربي الإسلامي، وحالة الانتقاص المطلقة منه في كتابات بعض الباحثين، مما يحتم على المعنيين بالمشروع الثقافي العربي أن يتسلحوا بالموضوعية في تقييم المشهد الثقافي الذي يعيننا على خوض خطاب مثاقفة سليم.
وتداخل الباحث الدكتور حسام العفوري بسؤالين، الأول ما دور الأدب المقارن في بناء الهوية الثقافية العربية؟ والثاني هل خطفت أضواء الحضارة الغربية الزاهية الأضواء من المثقفين العرب؟ أما الدكتورة ريما مقطش فقد أثارت موضوع المديونية المعرفية والثقافية وأثرها في تعزيز العمل المقارن، مؤكدة على وجودها، ومستشهدة بالكوميديا الإلهية لدانتي في تأثره بأبي العلاء المعري.
واختتم مدير الندوة الدكتور نضال الشمالي الحديث بالوقوف على فكرة أن العرب في العصر الحديث كانوا مضطرين لتقمص دورين، دور المدافع عن حضارته وتراثه، ودور المبادر الذي عليه أن يقدم وينهض، فوقعوا في إشكالية الدفاع عن الذات وبالغوا في ذلك، وكأن إقناع الآخر بمقدرات الأنا مسألة شديدة الأهمية، مغفلين استكمال جهود المقارنين العرب الأوائل كسليمان البستاني، وقسطاكي الحمصي، ومحمد روحي الخالدي، وقدموا عليها متابعة المنجز الغربي في المقارنات في شكلها الفرنسي، أو الأميركي، أو السلافي دون التفكير في المنافسة، وإضافة ما هو نافع.
ويُذكر أن جمعية النقاد الأردنيين تأسست عام 1998، وعقدت حتى الآن 12 مؤتمرا وندوة حول قضايا أدبية مختلفة، وأصدرت عددا من المصنفات النقدية التي تضمنت أبحاث ندواتها ومؤتمراتها، منها “آفاق النظرية الأدبية المعاصرة: بنيوية أم بنيويات”، “التجنيس وبلاغة الصورة”، “القصة القصيرة في الوقت الراهن”، “الرواية الأردنية على مشارف القرن الواحد والعشرين: دراسة تطبيقية”، “بدر شاكر السياب: خمسون عاما على رحيله” و”الرواية والفلسفة”.