صدر حديثاً للكاتب صقر أبو فخر كتاب عنوانه «الماسونية في عماء التاريخ» بيروت ـ رياض الريس للكتب والنشر، 2020. والكتاب عبارة عن مبحث تاريخي يفنّد فيه الكاتب الأغاليط المتراكمة في شأن الماسونية وتاريخها ونشأتها وأفكارها وأسرارها، ويدحض، في الوقت نفسه، الخرافات الماســـونية نفسها، ولاسيما تلك المعلومات الشائعة عن تأسيسها والمؤسسين الأوائل والشخصيات التاريخية التي انضمت إلى محافلها، والأعمال الخرافية التي قامت بها على مرّ العصور.
والكتاب، في الأصل، دراسة موثقة نُشرت في حلقات في جريدة «العربي الجديد»، ثم جرى تطويرها لتصبح بحثًا وافيًا في نشوء هذه الحركة كجماعة حرفية متخصصة بالبناء، وكيف خضعت لتحولات شتى، فكرية وتنظيمية وسياسية، إلى أن استقرت في القرن الثامن عشر على ما هي عليه مما هو معروف عنها.
تكمن أهمية هذا الكتاب في ربط بدايات ظهور الماسونية بالفكر الربوبي الأوروبي وبالأفكار التأليهية التي مهدت الطريق أمام انبثاق عصر الأنوار وفلاسفته وأدبائه ومفكريه، وكانت جزءًا مهمًا من عصر النهضة، وملهمة للثورات الراديكالية وللتيارات العَلمانية، التي غمرت أوروبا منذ القرن الرابع عشر فصاعدًا. وفي هذا الميدان يناقش الكتاب الأغاليط التي شاعت وفشت في النصوص العربية التي تناولت الماسونية وتاريخها ومسيرتها وشخصياتها، ويفكك الرواية الماسونية نفسها التي تعيد بدايات هذه الحركة إلى نحو 2500 عام قبل الميلاد، ويرى أن الماسونية أو جماعة «البنائين الأحرار»، إنما هي جمعية حرفية حديثة من بين الجمعيات الكثيرة التي عرفتها أوروبا في القرون الوسطى، ولعلها الأبرز. ويعقد المؤلف مقارنة تاريخية بين الجمعيات الحرفية الأوروبية والطوائف الحرفية العربية، ويعيد تأسيس تلك الجمعيات إلى نشوء المدن في العصر الاقطاعي الأوروبي، التي شهدت سباقًا على بناء الكاتدرائيات والكنائس والقصور والجسور والقلاع والحصون ومراكز الفنون والمكتبات والمتاحف. أما الأسلاف الفكريون للماسونية فيمكن العثور عليهم بين أعلام التيار الربوبي وأصحاب فكرة الدين الطبيعي، وفي الفكر التأليهي وآراء جوردانو برونو، وهؤلاء أسسوا تياراً كاسحًا لنقد الكتاب المقدس، ورفض معجزات الأنبياء وألوهية المسيح، وأقاموا صرحهم الفكري على النظريات العلمية وعلى الفلسفات العقلية معًا.
وفي هذا الحقل الفكري والتاريخي عقد الكاتب مقارنة إضافية بين الملاحدة العرب وأفكارهم وبين الربوبية الأوروبية، لنكتشف أن الإلحاد العربي الذي أنكر النبوات، ولم ينكر الخالق، كان قد سبق الفكر الربوبي الأوروبي بقرون عدة.
غاية هذا الكتاب، حسب الكاتب، هي إيضاح ما استشكل في شأن الماسونية، وبالتحديد الماسونية العربية، التي لم يكن لها أي شأن فكري أو سياسي مهم في التاريخ العربي الحديث، ثم تفنيد النصوص الهذيانية التي تعيد كل مصائب العرب إلى الماسونية «صنيعة اليهودية وربيبة الصهيونية».
والهدف، في نهاية المطاف، هو الدفاع عن العلم، وإعادة التاريخ إلى نصابه الصحيح، وتقديم مساهمة نقدية في فهم سِيَر الأعلام العرب ممن انتموا إلى الماسونية في بعض المراحل أمثال الأمير عبد القادر الجزائري والإمام محمد عبده والشيخ مصطفى السباعي والمطران أثناسيوس كليلة والشيخ طاهر الجزائري والمعلم بطرس البستاني وعبد الرحمن الكواكبي وابراهيم اليازجي ويعقوب صروف وجرجي زيدان وسعد زغلول وقدري طوقان ونخبة من الكتاب والفنانين العرب.