هممت بالكتابة عن يوم الجلاء 30 نوفمبر (ذكرى الاستقلال)، فتذكرت الاحتفال بالمناسبة بعد حرب 94 في مدينة إب.
رحم الله عبد القادر هلال كان حينها المحافظ، رتب للاحتفالية بشكل لائق ولافت ومبهج.. حضر الاحتفالية كل اركان الدولة، وكل الاحزاب والتنظيمات السياسية، موالية ومعارضة تقريبا.
استقبال وايواء الضيوف من خارج المحافظة كان يتم وفق تصنيف الفئات، (حكومية، حزبية، منظمات جماهيرية، مجتمع مدني.. الى آخره).
كان من نصيبي كعضو في اللجنة العامة ورئيس لدائرة الفكر والثقافة والاعلام بالمؤتمر حينها صحبة امناء عموم الاحزاب وممثليها، ومن حسن حظي أن ترافقت مع الهامة الوطنية الكبيرة جدا جدا صالح عباد (مقبل) أمين عام الحزب الاشتراكي، آخر أنزه واشرف الاشتراكيين مع جار الله عمر في بلدنا.
مقبل وبحر إب
ذلك الرجل المقاوم داخل الحزب وخارجه.. صاحب أقوى المواجهات والسجالات السياسية قبل حرب صيف 94 وبعدها.. قال للرئيس في يوم الجلاء “وين البحر اللي اجتلى منه المستعمر البريطاني يا أخ الرئيس”؟!
لا أتذكر بالضبط رد الرئيس، لكنه استهجن السؤال واحاله لعبد القادر هلال.. ليقود الاشتراكي بعدها حملة اعلامية ناقدة احتجاجا على احياء ذكرى الاستقلال ليس في عدن وإنما في إب.. المدينة التي تربض في أحضان المدرجات الخضراء، ولم تطأ أقدام البريطانيين يوما أرضها.
في ذكرى الاستقلال تذكرت هذه المناسبة.. وتذكرت علامات الاستفهام الكبيرة عن اقامتها في إب وتذكرت أيضا أين كنا وكيف اصبحنا!
كنا نحتفل بالاستقلال حينما كان للاستقلال معنى.. وحينما كانت بلدنا مستقلة حقا.
كنا نحتفي بذكرى مقاومة الوطن للاستعمار البريطاني.. وبرحيل أخر مستعمر في جزء من أرضنا، وكانت بريطانيا الدولة الاعظم في العالم.
واليوم لا يقاومون بل بمهانة يحتفي بعضنا بـ”الاستحمار” الاماراتي- السعودي الأعظم.. ويهللون عبثا بسم “امارات الخير” و “سلمان الحزم”.. إنها مفارقات عجيبة!
لم يكن مقبل يدري أننا سنصل لهذا الحال، وإلا لما لما تساءل عن بحر إب الذي خرج منه أخر مستعمر بريطاني؟!
في ذكرى الاستقلال، تذكرت وحدوية مقبل وجاذبية السياسية.. مركز ودقيق في مناقشاته، قليل الكلام.. وإذا تكلم فواضح كالشمس ومقنع كالمطر.. في حديثه واستشهاداته علم وظرف وابهار.
رحم الله (مقبل) الأنقى فكراً والأنظف عقلاً ومنطقاً.. كنت أشعر حينما أجلس اليه خلال زمالتي معه في مجلس النواب بأنه يحمل على كتفيه كل الهموم.. وطنا ووحدة.. حواراً ومستقبلاً.. كان بكل تفاصيله تعبيرا صادقا عن بؤس ومعاناة البسطاء في يمننا “السعيد”!
في يوم الجلاء، نعود ونقول أن المشاريع الصغيرة، والرهان على الخارج، والارتهان للأقزام.. مآله الفشل لا محالة.
كل عام وبلادنا بخير.. ولا عزاء للضعفاء.