تتواصل بشكل جنوبي الهجمات الاستيطانية الإسرائيلية ضد أراضي الضفة الغربية، منذ أن جرى الإعلان عن اتفاقيات التطبيع العربية الأخيرة، حيث استغلت سلطات الاحتلال “الغطاء العربي” للتغطية على هجماتها.
فعلاوة على الإعلانات المتتالية التي كشفتها سلطات الاحتلال عن بناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في الضفة الغربية والقدس المحتلة، والهادفة لزيادة عدد المستوطنين بالضفة، بهدف التأثير على الواقع الديمغرافي، تسعى إسرائيل حاليا لبناء شبكة طرق جديدة للمستوطنين، هدفها تقطيع أواصر الضفة الغربية بشكل أكبر، وتسهيل تنفيذ خطة الضم وتحويل المناطق الفلسطينية في الضفة إلى كانتونات.
وفد رصد المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، شق سلطات الاحتلال الإسرائيلي طرقا استيطانية جديدة، تستولي بموجبها على مزيد من الأراضي الفلسطينية، وذلك في سياق مخطط الضم، بهدف ربط التجمعات الاستيطانية، بالتزامن مع التصعيد في البناء الاستيطاني.
ويوضح التقرير أنه في إطار دفع مخطط بناء طرق جديدة للفصل العنصري، وتهيئة الأرضية المناسبة لفرض الضم على مساحات واسعة من أراضي الضفة الغربية، كما حددت معالمها “صفقة القرن” صادقت وزارة المالية الإسرائيلية على مناقصة لبناء طريق التفافي في بلدة حوارة جنوبي مدينة نابلس، لافتا إلى أن رئيس مجلس المستوطنات يوسي دغان، قال إن إسرائيل بهذا “تخطو خطوات كبيرة في تغيير وجه الاستيطان”، موضحا أن الطريق الالتفافي في حوارة سيحوّل المستوطنات الجبلية في المنطقة، وهي مستوطنات معزولة بلغة بعض الإسرائيليين إلى نقطة جذب لعشرات الآلاف منهم.
وفي هذا السياق يقول مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية، خليل التفكجي، إن مخطط شبكة الطرق لصالح المستوطنين التي سيتم شقها في داخل الضفة، والتي نُفذ جزء منها، هي مخطط قديم جديد صدر عام 1983 ضمن الأمر العسكري رقم 50 للطرق.
وبدا واضحا من الكشف عن البدء بتنفيذ المخطط القديم، أن إسرائيل تستغل التغطية العربية من خلال اتفاقيات التطبيع الجديدة، لتنفيذ مشاريعها التي تخالف القوانين الدولية.
وأوضح التفكجي، أن شبكة الطرق هذه عمليا هي شوارع طولية من الشمال إلى الجنوب وعرضية من الشرق إلى الغرب، وجزء كبير منها أُطلق عليه الشوارع الالتفافية أو إعادة الانتشار، بحيث استخدم ذلك لتنفيذ هذه المشاريع.
ويضيف في تصريحات نشرها الإعلام الرسمي الفلسطيني، أن عددا من هذه المشاريع يجري الآن تنفيذه، مثل فتح طريق حوارة- زعترة، وشارع رقم 60 غربي نابلس، مشيرا إلى أن هناك شارعا قرب زعترة من الغرب إلى الشرق كان تحت اسم شارع السلام هدفه استراتيجي، وهو تقطيع شمال الضفة عن جنوبها، ثم شارع 45 الذي يقع عند مدخل قلنديا شمال القدس، وشارع 35 في الخليل، ويجري تنفيذه الآن من غوش عتصيون باتجاه بلدة بيت أمر في الخليل.
وأشار إلى وجود شوارع أخرى مجمّدة، ولكن تمت المصادقة عليها، مبينا أن هذه الشوارع أحاطت كل التجمعات الفلسطينية بالمستوطنات بهدف الاستيلاء على الأرض، في إطار عملية إحلال للإسرائيليين واقتلاع للفلسطينيين، وهي ضمن مجموعة من المشاريع الإسرائيلية التي تم التوقيع عليها أمريكيا تحت مسمى “صفقة القرن”.
وفيما يتعلق بمشروع الحدائق التوراتية، قال التفكجي إن “هذا المخطط طرح عام 1968 بمسمى (ع م 6) حول البلدة القديمة، باعتبارها مناطق خضراء”، وأضاف: “عام 1996 طرح مخطط (ع م 9) حول القدس بحوالي 10 كم مربع مناطق خضراء”.
وأشار التفكجي إلى أنه وقبل عام 1948 كان هناك مشروع “هينري كيندل”، والذي جعل كل المنطقة الشرقية للقدس مناطق خضراء؛ باعتبارها الهدف الاستراتيجي للتوسع الاستيطاني، والآن قضية الحدائق التوراتية هي استخدام للدين لأسباب سياسية.
وكان تقرير صادر عن إحدى دوائر منظمة التحرير الفلسطينية، قد رصد أعمال الاستيطان، وقال إن شق الطرق الاستيطانية الجديد يسير بوتيرة أعلى من البناء في المستوطنات، خاصة وأن هذه الطرق تستولي بموجبها سلطات الاحتلال على مزيد من الأراضي الفلسطينية، وذلك في سياق مخطط الضم، بهدف ربط التجمعات الاستيطانية، بالتزامن مع التصعيد في البناء الاستيطاني.
جدير ذكره أنه بسبب تصاعد الهجمات الاستيطانية الأخيرة على أراضي الضفة، والتي اشتملت على هدم مبانٍ ومصادرة أراضٍ وحرق واقتلاع أشجار، أجرى رؤساء بعثات دول أوروبية في الأراضي الفلسطينية، أكثر من جولة على تلك المناطق التي يهددها خطر الاستيطان، للإعلان عن تضامنهم مع السكان، وأعربوا عن قلقهم إزاء التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، حول القدس الشرقية، وفي مدينة الخليل.
وتلا ذلك أن أصدر الناطق باسم الاتحاد الأوروبي وكذلك القائمة بأعمال منسق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة إيفون هيلي، بيانات أدانوا خلالها تصاعد الاستيطان، خاصة بعد هدم الاحتلال قرية حمصة الفوقا بمنطقة الأغوار، بتدمير 70 مسكنا تضم عددا من العوائل هناك. وقالت المسؤولة الأممية إن الهدم وتشريد العشرات من السكان في منطقة محتلة “يشكلان انتهاكات جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة”.
من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي بيتر سانتو، إن استمرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهدم المباني الفلسطينية، يشكل عائقا أمام “حل الدولتين”.
وقد جرى التأكيد على هذا الأمر خلال المداولات التي عقدها مجلس الأمن الدولي الاثنين الماضي، لمناقشة مبادرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي قدمها للأمين العام للأمم المتحدة، للدعوة إلى مؤتمر دولي لحل القضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية.
وكان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، قد قال إن إسرائيل تعمل على ترسيخ مخططات طرق جديدة، منها طريق التفافي حوارة لخدمة المستعمرين في منطقة نابلس، ومخططات طريق 938 وطريق 926 في محافظة القدس، مع إعطاء غطاء قانوني لطريق 385 الموصل إلى مستعمرة “جيلو” جنوبي بيت لحم، وذلك التفافا على طريق الولجة.
وأوضح أن هذه الطرق مبنية على أراض خاصة يملكها المواطنون الفلسطينيون، مؤكدا أن هذا الطريق “سيُحكم الطوق الاستيطاني والاستعماري حول قرية الولجة كاملة والتي خسرت أكثر من ألف دونم من أراضٍ صودرت بالقوة من أصحابها، والطريق الآخر الذي أودع للمصادقة هو طريق التفافي الرام- قلنديا بما يشمل نفقا يخصص للفلسطينيين.
وأشار إلى أن هذا الطريق الالتفافي يعد استكمالا لـ”تمزيق الجغرافيا والأرض الفلسطينية لصالح المشروع الاستيطاني الاستعماري”، ولفت إلى ازدياد عنف المستعمرين في موسم الزيتون ضد الانسان الفلسطيني وشجرته الرمز “الزيتون”، التي تغيظ المحتلين لأن جذورها ضاربة في التاريخ الذي لم يكونوا فيه.
يذكر أن عمليات الاستيطان هذه تتم بدعم كبير من قبل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، التي قررت مؤخرا إزالة الحظر عن دعم الأبحاث العلمية في المستوطنات، حيث قال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، إن ذلك يمثل خرقا للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي أدانت الاستيطان بكافة أشكاله، وآخرها قرار رقم (2334)، مؤكدا أن الاستيطان جميعه غير شرعي في الأراضي المحتلة، وأن أي إجراءات أمريكية بهذا الصدد هي “غير قانونية، وخرق لاتفاقية جنيف الرابعة”.