إبراهيم الجبين*
الفوضى، التي تدور وتطحن من حولنا في عالم اليوم، لم تعد تترك برهة للإنسان ليتأمل لون زهرة أو انعكاس ضوء خافت على سطح رمادي تتلألأ فيه بهجة البنفسج، لم نعد نفعل هذا. يعتقد إنسان اليوم أنه لا يجب أن يعيش بلا تفكير جدّي وبلا هموم محمولة أو منقولة أو فذلكات تدوّخ الرؤوس أكثر مما دوّختها أخبار كورونا.
لكن الألوان تضحك مما يتراءى أمام أعين الناس، ضحكٌ متواصل ليّن بأصوات لا نسمعها بآذاننا العادية. ما تراها تقول أمام هذا الحماس المتنامي في سبيل إعادة البشرية إلى الوراء، نحو الغرائزية والحروب الطائفية والعنصرية؟ الدفع بالوحشية بديلا عن الحضارة؟ الصورة العنيفة بدلا عن التفاصيل الرائقة في الحياة؟ الألوان وما أدراك ما الألوان؟ عالمٌ موازٍ يعيش إلى جوار عالمنا المنهك.
وقد وضع لها البروفيسور ماكس لوشر في مطلع أربعينات القرن العشرين ما سمّاها بسيكولوجيا الألوان، بيّن فيها ليس تأثير كل لون علينا وحسب، بل معنى أن يلفتنا هذا اللون ولا يستوقفنا ذاك.
اتضح له أن المعجبين باللون الأسود يتمتعون بالحنكة والدهاء، وأن شخصياتهم تنطوي على ميول للقيادة وللهيمنة، ولكن بهدوء.
أما أهل الأحمر فهؤلاء أصحاب “غريزة البقاء على قيد الحياة”، وعقولهم متحفزة دوما تفضّل خوض غمار التحديات، وقد يفعلون ذلك بالكثير من العدوانية.
لون العقل، كما يصنّفه لوشر هو الأزرق، وهو، لمن يرتبطون به، بمثابة حبوب مهدئة لا تسبّب الإدمان ولا تحتاج وصفة طبيب. والكثير من الناس لا يعرف لونه المناسب، ولعله إن جرّب لاكتشف أيّ الألوان هي بصمته البصرية الروحية. فعلى النقيض مما نعرف عن الأصفر وشحوبه، إلا أنه لون “التفاؤل”، ويعكس الثقة العالية في النفس وتقدير الذات والانشراح.
الألوان وما أدراك ما الألوان؟ عالمٌ موازٍ يعيش إلى جوار عالمنا المنهك.
الشخصيات المنسجمة المستقرة يفتنها الأخضر، فهو لون التوازن والاطمئنان. ولكنه أيضا لون الملل وسرعة الالتفات إلى أفكار أخرى بين الحين والآخر.
الأبيض، سيفكر البعض الآن، أنه لون الصفاء والنقاء وبقية قاموس الإضفاءات السخية، لكنه على العكس من ذلك، لون التكبّر والجفاء والبرود. والمتعلقون بالأبيض هم شخصيات تحمل هذه الصفات السيكولوجية السعيدة.
وقبل أن نصل إلى لوني المفضّل، لا بدّ من المرور على لوحة الطاقة والحيوية والفكاهة، لون البرتقال المنعش الذي سيعني في ما يعنيه أيضا الإحساس بالحرمان والإحباط، ولذلك تردّ النفس عليه بالمزيد من بذل الجهد لرفع المعنويات.
وفي المساءات والصباحات، يحضر البنفسج، لون الأصالة والرؤية والسموّ الفكري والروحي. وهو أيضا لون العزلة والكتمان والانزواء وهي صفات ليتنا ما غادرناها وليتها ما غادرتنا، بعد أن رافقتنا فترة الصبا والشباب. كان العالم أصغر ولكنه كان أكثر رقيّاً بعيون الانطوائيين البسطاء.
- كاتب سوري