عدلي صادق*
لم تعرف حركة النشر في مصر، خلال الحربين العالميتين، الأولى والثانية، سوى كتابين اثنين ضد الصهيونية. كانت المطابع في تلك المرحلة، تدور لسحب عشرات الصحف الموالية للمشروع الصهيوني، بينما مصر كانت تزخر في تلك الأثناء بالأصوليات والفرق الصوفية والدراويش. وفي فترة ما بعد الحرب العظمى الثانية، شهدت حركة “الإخوان” زخماً كبيراً، مستفيدة من بؤس الحرب وما بعدها.
في سنة 1944 صدر الكتاب الأول بعنوان “الصهيونية” من تأليف مصري شيوعي يلتزم الخط التروتسكي، يُدعى أنور كامل. وجاء بعده بسنتين الكتاب الثاني، الذي سُجن مؤلفه بعد إصداره، وهو من تأليف يهودي مُتمصر.
وكان لافتاً منذ بدء الانتداب البريطاني على فلسطين، أن رموزاً وازنة من الحركة الثقافية المصرية أظهرت تزلفاً لعملية بناء الدولة اليهودية، أما رواد الكتابة ضد المشروع الاستيطاني، فقد كانوا من الشيوعيين، ومن اليهود المثقفين اليساريين، وما دون ذلك من الكلام، الذي تكثف في الصحافة إبان حرب 1948، أي عندما وصلت الأمور إلى لحظة التدشين؛ فلم يتعد الصيغ العاطفية!
كان إيزيدور سلفادور، اليهودي المتمصر المولود في شبرا إبان ثورة 1919 قد أطلق على نفسه اسم أحمد صادق سعد، دون أن يغير ديانته. هو شابٌ ألمعي، تحول من اللغة الفرنسية إلى العربية الفصحى التي أتقنها، وأصدر في العام 1946 كتابه “فلسطين بين مخالب الاستعمار” مستفيداً من الوثائق المنشورة عن المسألة اليهودية، وتعرض للاعتقال بسبب ما كتب. فمن يطالع كتابه المنشور قبل نحو 75 سنة، يخالجه الشعور برصانة البحث الذي لن يصل الثرثارون إلى شيء من مستواه، بعد 75 سنة أخرى.
ظلت الأصوليات من كل الأديان، حريصة على الدمج بين اليهودية والصهيونية، على ما في هذا الدمج من فوائد جمة للأخيرة.
ظلت الأصوليات من كل الأديان، حريصة على الدمج بين اليهودية والصهيونية، على ما في هذا الدمج من فوائد جمة للأخيرة. فهذه تعمدت – بوسائلها – تغذية هذه الوجهة لدى الأصوليين، لكي يسهل استقطاب اليهود لمشروعها في فلسطين!
كان أحمد صادق سعد (إيزيدور) يهودياً يعرف كيف يتصدى للصهيونية من داخل معرفته بالكيمياء الاجتماعية لبني ديانته، ومن منطلق إدراكه لفنون الصهيوينة وذرائعها. كل ما كان يحتاجه هو البيئة الاجتماعية والسياسية المواتية التي لا تنظر إلى البشر من خلال أديانهم ومذاهبهم.
اليوم، أصبح لزاماً على المناهضين للعنصرية وللأصوليات، أن يجترحوا صيغاً أخرى، وثقافة أخرى، غير تلك التي كرستها الأصوليات في عقول الأجيال. وليس أدل على وجاهة هذا المنحى، من إحساس مناصرين يهود للقضية الفلسطينية بالحرج، كلما تعرض اليهود بالجملة، إلى حملات البغضاء الشاملة، رغم كونها بغضاء عاجزة عن عمل شيء، سوى مساعدة المتطرفين على عزل وتأثيم مناصري الحق الفلسطيني.
- كاتب وسياسي فلسطيني