أرسى تقاليدا لم تكن مألوفة لا في الثورة (الصحيفة) ولا في المؤسسة ولعلها ماتت بموته ..
- يوم الصحافة، • طبيب الموظف
- تعليم الموظف• صندوق الموظف
يوم الصحيفة هو ما يهمني اليوم ..كان يوما مميزا، يجمع العمال والموظفين في مكان واحد .. فنيين واداريين، وصحفيين.
في المقدمة دوما اربعة وجوه يمانية اصيلة، العم حسن المطري مزارع الحديقة ومتعهد العناية باشجارها وزهورها، والعم الطوقي الحارس الذي لا تفارق الابتسامة وجهه، وحسن الكشري صاحب اشهى قلابة فول، والسائق المثالي احمد عبد الرب !!!.
جميعهم يقفون على أرضية لا تعرج فيها ولا اهتزاز..
يتجاذبون بحميمية اطراف الحديث مع كبير الصحفيين وانزههم محمد الزرقة، ومع صاحب اللحظة المدهشة محمد المساح، واستاذ صناعة الخبر محمد الشيخ، وايقونة التحرير احمد الاكوع، والنقيب الاريب ياسين المسعودي، وصاحب الاحترافية والكفاءة المبهرة ناجي الحرازي، واجمل الصحفيين لغة واعذبهم لسانا واكثرهم اناقة ومودة عباس غالب، والأشموري علي ومطهر، والعزي الجرموزي، والصعفاني، والشاعر المبدع احمد الحميقاني، ومحمد السريحي، ويحي العلفي وقائمة طويلة من الاقلام الجميلة التي تركت في الثورة تقاليد مهنية راقية..
في سبتمبر 29 من كل عام يكون لقاء الفرحة والابتهاج .. بعيدا عن زحمة الاصدار ، وضجيج الآلات، والدوام، وهموم المصروف وانتظار السلفة على ذمة المرتب .. ويكون الزملاء جميعهم على فسحة وتقارب ومودة وأمل.
سحر وفسحة :
قصر الضيافة بالروضة كان أحد أجمل الاماكن التي يختارها الاستاذ الزرقة لاجتماع زملاء المهنة في يوم الثورة (الصحيفة)، حيث يطيب اللقاء وتجتمع اصالة وسحر المكان بروعة وجمال المناسبة ..
لا وقت هنا للإغراق في العمل وانهاك الورديات، كلهم يتراشقون النكات وتهاني المناسبة .. تتعالى الضحكات في ارجاء المكان، ويحلو لمحمد عبد الماجد (اطول عمرا في سكرتارية التحرير ) ان يكون هنا .. اذ كان من النادر ان يظهر نهارا بين الزملاء، لكنه اليوم بعيدا عن قلق وملاحقة الوقت عند منتصف الليل، واعداد الماكتات، وتتبع العناوين وملئ الفراغات..
كان لا يغادر الصحيفة ولا ينام الا بعد ان يتناول نسخة ساخنة من ايدي أكثر العمال مهارة وصمتا وحركة (أحمد عبد العزيز، وصالح الحرازي، وحسين الرحبي، وعبدالله عثمان ..)، ليأتي دور التوزيع على ايدي الرائعين الفريد العراسي وعلي الجبري، وليتولى أجمل سائقين محسن العزب، وحسين الصلاحي آخر مهمة في نقل من تبقى من الزملاء الى منازلهم بعد ان يغلق محمد الطويلي دفتر الدوام .
المكان لا يخلو من جلجلة صوت بلهحة السدة و”نخيط” المسقاه .. صوت يطير في السماء تلقائية وبساطة، هو صوت محمد حسين الشامي، أحد اقطاب العمل الطباعي في المؤسسة، الذي شكل مع سليمان الظاهري، صاحب اطول تجربة في الطباعة توأما جميلا لثنائي يولد طاقة عمل ابداعية نادرة، هي امتداد متجدد لخبرة العم صالح الأشول رحمه الله..
أكثر الزملاء اغراقا وتركيزا بين ملفات التحرير وشاشات الكمبيوتر، والتصحيح هم أكثرهم ارتياحا ومتعة في يوم الصحيفة ..
تتبدل جدية وثبات اصحاب النحو والصرف محمد منصور المقرمي، وعبد الله المتوكل، الى تبسط وابتسام، وتختفي حركية وقلق على الجرموزي، ويبدو مطهر المحاقري الذي يرد الكلمة بغطاها، والمعروف بطباعه الهادئ ولغته الودودة وقد انفتح واطلق العنان لجو المناسبة..
أما أصاحبي اللطفاء احمد الجعماني، وأحمد سالم، وعلي الناشري، ومنصور الغنامي، وآخرين لا تحضرني أسماؤهم، فهم في يوم الصحيفة بمنأى عن تتبع الحروف واللعب بلوحة مفاتيح الكمبيوتر، التي احترفوا بمهنية عالية فنية التعامل معها، يتبادلون الأمنيات و عيونهم تتراشق الامل والابتسام..
وجوه:
حامد مياس، مهني مختص .. الطف واظرف شباب الثورة (ودائرة حينا) يرسل اصواتا بنبرة عالية ولاسعة، ويبرق بعينية اشارات ذكية وحاذقة .. لكنه في حضرة العيد يحرص على تلطيف الجو مع اطيب الناس معشرا، واصفاهم قلبا وسريرة يحيى الوزيزة (مسئول التصوير)، الذي كان اذا ما سمع صوته قد تجاوز قسم التصوير فاعلم انها شقاوة حامد مياس ..
عبد الواحد البحري .. شاب “الاخراح”.. نبيل، ممتلئ حماسة وحيوية، يتحرك بلا توقف .. يوزع نبله وابتساماته البريئة بين اصحاب المهنة، يتطلع في مدرسة الثورة لان يكون صحافيا ناجحا، واصبح فعلا من الاقلام الصحفية الناجحة، التي خطت طريقها بأمل وثقة واقتدار.
فايز محيى الدين، صحفي وأديب شاب يمضي بسرعة البرق .. تعلم هو الاخر في مدرسة الثورة ، يؤسس بثقة عالية لمدرسة مهنية في مواكبة الاخبار ، وبناءات الشعر ، واللغة ، والادب ..
نجيب العصار .. من نجباء الثورة ومخرجاتها .. يقتفي الاثر، ويتابع المهمة بتجديد في مدرسة الوحدة (الصحيفة)، ويمارس المهنة بما يمتلك من مهارات فنية وادبية عاليه .. ثم يحيى الربيعي ذلك المكافح الذي جمع بين حرفية الاكسل والورد ومتابعة الكتابة والبحث .. كثيرون جدا وبالمئات من انجبتهم الثورة الصحيفة والثورة الحدث، فصاروا كوادر منتجة لمرحلة جديدة من الوعي والتنوير ..
يوم الصحيفة .. لقاء كان يوفر من كل شيء احسنه ، ويجمع بين روح الزمالة ومودة الطيبين وبين سفرة غداء غنية بالشفوت والقرم، ولحمة البرم، وبنات الصحن .. واكلات لا تقاوم، ولحظات جميلة لا تنسى .. رحم الله الاستاذ الزرقة خلد ذكرى جميلة في الثورة، واسس لمجتمع المهنة، ومجتمع الانسان بداخلها ..
كان دائم السؤال عن البسطاء من العمال والموظفين .. مشاكلهم، ظروف عيشهم، صحتهم، تدريس اولادهم .. علمت بعد وفاته ان ابنته الوحيدة تركت المدرسة الخاصة التي كانت تدرس فيها لعدم قدرتها على دفع الرسوم ..
احتضن القدسي طفلا ورباه ورعاه كاحد اولاده في بيته حتى صار موظفا ناجحا، وأصبح جزءا اصيلا من عائلته .. تلك كانت قيم الثورة (المؤسسة)، وذلك كان محمد الزرقة الذي بناها، ورجل الدولة الذي عرفناه وتعلمنا على يديه .