الثورات ليست غايات ، ولا أصناما للعبادة ، فالمواطن هو غاية أي ثورة ، وتقييم أي ثورة يتم من خلال معرفة الدوافع والظروف التي قامت في ظلها الثورة أولا ، وثانيا ، من خلال ما حققته لعامة الشعب .
بالعودة إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر 1962 ، هل كان اليمنيون بحاجة إلى ثورة ، الجواب بالتأكيد ، نعم . ولكن هل كانت الظروف مهيأة لنجاح الثورة بحسب الشروط والمعايير التي وضعها علماء السياسية والإجتماع ؟ وخصوصا في ظل حجم التدخلات الخارجية التي ساهمت في قيام الثورة من جهة ، والتدخلات التي عملت على إجهاضها من جهة أخرى . ؟!؟!
لقد كان إعلان ثورة 26 سبتمبر مفاجئا لليمنين ، بما فيهم المعارضان البارزان للنظام الملكي ، النعمان والزبيري ، باستثناء ” تنظيم الضباط الأحرار ” الذي كان على اتصال مباشر بمصر.
ومثلما حدد المرشد العام للإخوان ، حسن البناء ، ساعة الصفر لـ ” ثورة 48 ” وصاغ ميثاقها ” المقدس ” حدد الزعيم جمال عبدالناصر ساعة الصفر لثورة 26 سبتمبر وأقر أهدافها الستة .
وفي حين كانت الثورة في يومها الأول ، كانت السفن المصرية المحملة بآلاف الجنود قد قطعت نصف المسافة في طريقها إلى الحديدة .
قدمت مصر الدعم العسكري والمالي والسياسي للجمهورية العربية اليمنية، و بلغ عدد الجنود المصريين في اليمن نحو 60 الف جندي .. رسم المصريون علم الجمهورية وشعارها، وكتبوا ولحنوا وغنوا الأناشيد الثورية الحماسية .
وبينما كان الجنرال المصري نبوي اسماعيل يقود القوت المصرية في اليمن ، كانت زوجته فايدة كامل تغني ” بالإرادة والعزيمة والجهاد .. اليمن اشعلها ثورة ع الفساد ” .
قدم عبدالناصر دعما للعديد من الثورات العربية ، لكنه كان سخيا جدا في دعمه لثورة اليمن . فماهي دوافع كل ذلك الدعم وكل تلك التضحيات ؟.
لم يكن الامام احمد خصما لمصر او لناصر كما كان حال آل سعود في الرياض ، فقد كان الإمام أحمد حليفا قوميا ، وعاشقا للوحدة العربية ، وكانت ” المملكة المتوكلية اليمنية ” ثالث اثنين إلى جانب مصر وسوريا في الكيان الذي عرف بإسم ” الجمهورية العربية المتحدة ” بين عامي 58 و 1961 .
كان عبدالناصر يريد فتح جبهة لمواجهة أعداءه البريطانيين وخصومه السعوديين ، وكانت اليمن، بالنسبة له ، ساحة مثالية لهذه المواجهة . لكنه كان يدرك أن الإمام ، ملك اليمن ، لن يسمح أن تكون بلده مسرحا لحروب الآخرين ، ولذلك ، أتخذ خياره بالتخلص من الإمام ، و نقل السلطة إلى أشخاص موالين يديرهم كما يشاء ” رغم تسميتهم ب ” الضباط الأحرار ” . وكان له ما أراد.
قرأنا في كتب التأريخ المدرسية أن تنظيم ” الضباط الأحرار ” هو من خطط لثورة 26 سبتمبر ، فأين كانت هذه الحرية عندما زج عبدالناصر بقيادات الدولة اليمنية ، عسكريين ومدنيين اواخر عام 1966، في السجن السجن الحربي بالقاهرة لعدة أشهر ، وأي حرية هذه عندما يفرض على ” كبير الضباط الأحرار ” الرئيس السلال ، الإقامة الجبرية لعام كامل في القاهرة ؟!.
جمهورية ناصر ، أو ثورته في اليمن ، استمرت نحو أربع سنوات ، وانتهت بانقلاب 5 نوفمبر 1967 ، لتتولى بعدها السعودية ترويض الجمهورية وتدجينها . ومثلما اسست مصر في اليمن ما عرف ب ” تنظيم الضباط الأحرار ” أسست السعودية تنظيمها الخاص المعروف ب ” اللجنة الخاصة ” ومن خلال هذا التنظيم أدارت السعودية الجمهورية العربية اليمنية ، و الجمهورية اليمنية طوال نصف قرن ، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه .