عبدالمجيد التركي
لشدة فضولي لمعرفة ما حدث في المربد، ولكثرة الكلام والقصص حول هذا الموضوع سألتُ الشاعر الأوحد، عبدالله البردوني، رحمه الله، عن سفره إلى العراق، حين ذهب للمشاركة في مهرجان المربد بمناسبة مرور ألف سنة على وفاة أبي تمَّام.. قال لي:
(لم يكن اسمي ضمن المشاركين في المهرجان، فذهبت إحدى الموظفات في وزارة الإعلام والثقافة العراقية – اسمها فلانة الجبوري – إلى المختص بدعوة الشعراء المشاركين، وقالت له لماذا لا يوجد شاعر من اليمن؟ فقال لها إنه لا يعرف أحداً، فقالت له ضع اسم عبدالله البردوني، فهو خير من يمثل اليمن.
وضعوا اسمي وتواصلوا بي وقبلتُ الدعوة، وذهبت إلى العراق..
كان هناك الجواهري والبياتي ونزار قباني وأحمد عبدالمعطي حجازي، وشعراء كُثر قرأوا قصائدهم، وجاء دوري، وأثناء سيري إلى المنصة لقراءة القصيدة سمعتُ الناس يتهامسون: ماذا سيقول هذا بعد كل أولئك؟!
بدأت الكراسي تتحرك وبدأ البعض يخرجون، وأنا بدأت أقرأ قصيدتي، ولحسن الحظ كان هناك مايكروفونات وسماعات إلى الشارع، ولما سمعوا وهم في الشارع عادوا، وسمعتُ ضجيج الكراسي ثانيةً، ثم خيَّم على القاعة سكون المقابر.
كنت أقرأ وهم يصفقون بحرارة، ويستمر التصفيق لدقيقة كاملة.
بعد أن انتهيتُ من إلقاء قصيدتي، وكان هناك كبار الشعراء، جاءني رجلٌ وصافحني بيد دافئة، وقال لي: نعتذر يا أستاذ عبدالله لأننا قرأنا قصائدنا في وجودك.. فقلت له: ولماذا تعتذر؟ قال لي: لأنك قلت كل ما نريد أن نقوله ولم نقدر.. فسألته: من أنت؟ قال أنا نـِزار.. فقلت له: قل نـــَـــزَار وليس نـِزار).
……
وأطلق البردوني ضحكته الشهيرة بعد هذه الجملة، كأنه يُعلن انتهاء الكلام، فقلتُ له يا أستاذ: هذه لطمة قوية أن تصحح اسم شخص.. فقال: هناك فرق بين نَزار ونِزار..
ثم سألتُ نزار قباني كيف تصل دواوينه إلى أيدي الناس ومكتباتهم رغم ثمنها المرتفع؟
فقال لي نزار: كيف هي أسعار دواوينك يا أستاذ عبدالله؟
قلت له: ديواني يساوي قيمة بيضَة.
…
فسكت البردوني، وقلتُ له: لذلك يا أستاذ عبدالله قلتَ في قصيدة “زيد الوصابي”: صارت البيضة أغلى من كتابي؟
ولم أسأله عن انسحاب الجواهري، فقد قيل إن الجواهري هانت عليه قصيدته بعد أن استمع إلى قصيدة “أبو تمام وعروبة اليوم” للبردوني، ولم يكلف نفسه عناء قراءتها، وسجَّل حضوره على المنصًّة بقوله: “حسبي من المهرجان كله ما قاله شاعر اليمن الكبير الأستاذ عبدالله البردوني”.
…
لم أسأله لأنني سمعت بهذه الحكاية بعد سنوات من رحيله، ولا أدري مدى صحَّتها..
أما بشأن الجائزة فيعرف العالم كله أن البردوني انتزع اعتراف أساطين الشعر وانتزع الجائزة من بينهم جميعاً.