يتحسس البعض من لقب أو كنية “السيد” ويرون فيها نوعاً من التمييز، ويذهب آخرون حد وصفها بالعنصرية ، مع أنهم يخاطبون الحضور بـ “السيدات والسادة” ولا يجدون غضاضة في تسمية “السيدة أم كلثوم ، أو السيدة فيروز ، أو حتى السيد ترامب ، والسيد نتنياهو” .
من وجهة نظري ، كل اليمنيين سادة ، يستوي في ذلك سكان القصور وسكان الكهوف وسكان المحاوي ، إلا الذين يرون أنفسهم غير ذلك ، فهم أدرى بقدرهم ومستواهم .
السيد في اللغة هو المستقل بنفسه ، المالك لقراره ، وفي التراث العربي والإسلامي ، سيد القوم خادمهم . وأن تكون سيداً ، لا يعني ذلك أنك أفضل من سواك وأن على الآخرين الخضوع لإرادتك . السيد ليس زعيم جماعة أو فئة وليس رئيس عصابة .
أن تكون سيداً ، يعني أن تلتزم سلوكاً وقيماً وأخلاقاً تحبب الناس إليك ، أو على الأقل أن تجنب الآخرين شرّك وأذاك .
لفت نظري حديث سيدة يمنية ضمن تحقيق صحفي حول مشكلة الإيجارات وهي تلعن الجميع وتستدرك : رعى الله “سيدي عبدالكريم” وهي تقصد اللواء عبدالكريم الحوثي وزير الداخلية الذي حذر أقسام الشرطة من التواطؤ مع الملاك ضد المستأجرين .
لم تسمه “السيد عبدالكريم ، بل سيدي عبدالكريم” والسبب في ذلك ليس لأنه حوثي أو هاشمي ، بل لأنه اقترب كثيراً من همومها ، اصطف معها رغم ضعفها ضد أقسام الشرطة رغم نفوذهم .
ولذلك رأت فيه مسؤولاً يحمي حقوقها وينصفها من الظلم . فلا مشكلة لديها إن كان الوزير من عائلة الحوثي أو القيرعي ، المهم أن يراعي مصالحها انطلاقاً من مسؤوليته الرسمية والأخلاقية والدينية .
“سيدي عبدالكريم” ينتمي لمحافظة صعدة النائية ، هو ليس من محافظات الثقافة والتعليم وليس من محافظات النفوذ والسلطة ، وبحسب نظر البعض ، يُحسب على “كهوف مران” . ولكن ما قيمة هذه المعايير إذا لم يقم الوزير أو المسؤول بواجبه نحو المواطن ؟.
محمد علي الحوثي “وسيدي عبدالكريم” كلاهما محسوب على كهوف مران ، لكنهما أول مسؤولين يعلنان وقوفهما إلى جانب شريحة المستأجرين ويدعوان إلى حلول لمشكلة الإسكان وارتفاع الإيجارات .
بمعنى آخر ، الحوثيان القادمان من كهوف مران يدركان أن السكن حق أساسي للمواطن ، وعلى الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في هذا الجانب ، من خلال التخطيط والبرامج والمشاريع والتسهيلات والتشريعات المنظمة لاستغلال الأراضي والبناء ، وصولاً إلى التشريعات التي تنظم العلاقة بين المُلاك والمستأجرين ، وهذا ما لم يعترف به الزعماء والرؤساء والمسؤولون الذين تعاقبوا في السلطة منذ قيام الجمهورية عام 1962 ، مع أنهم وقّعوا وثيقة العهد الدولية للحقوق المدنية والاقتصادية التي تنص على التزام الدول بحق المسكن لكافة مواطنيها .
تركت الحكومات السابقة إرثاً مهولاً من الإهمال والفشل وصل حد إلغاء قطاع الإسكان من هيكل الحكومة ، واكتفوا بالإسكان كإدارة ديكورية لاحول لها ولا قوة تابعة لوزارة الأشغال والطرق .
كل قيادات الدولة ومسؤولي الحكومة هم ساداتنا حين يعملون على رعاية مصالح الناس ، سيدي المشاط وسيدي بن حبتور ، وسيدي الراعي إن استخدم نفوذه وسلطاته لدعم لائحة تعديل قانون الإيجارات في المجلس .
شريحة واسعة من اليمنيين ينتظرون اللائحة ، مع أنها مجرد حل ظرفي مؤقت ، فأزمة السكن في اليمن بحاجة إلى استراتيجيات شاملة ، تبدأ بإنشاء وزارة خاصة بالإسكان ، وتستفيد من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال .