تعتبر مدينة صنعاء القديمة تحفة أثرية على مستوى العالم، فمساكنها مبنية على أسس ومعايير أذهلت أعظم مهندسي ومخططي بناء وتصميم المدن ، هذه المدينة صُممت على أنها تكون أزلية وساحرة في نفس الوقت.
صنعاء القديمة تشكو الآن، أن مُلكها وتاجها إلى زوال ، وقد تتحول إلى تراب ، منازلها ومساكنها الجميلة التي أخلبت كل لب ، تتعرض للدمار والخراب والانهيار بفعل الأمطار الغزيرة التي غمرت اليمن في السنوات الأخيرة.
يقول عبد الله غالب أحد ساكني صنعاء القديمة :” إن بداية تهدم البيوت غربي الجامع الكبير حدث نتيجة هبوط مفاجئ وسط الحارة سببه تسرب شبكة المياه في العام 2011م تقريبا “.
ويضيف : بعد مناشدات للجهات المختصة تم إجلاء ساكني تلك البيوت إلى بيوت أخرى تم استئجارها لهم من قبل هيئة المحافظة على المدن التاريخية، حتى يتم الترميم , وبالفعل تم البدء بالترميم لعدد من البيوت الثمانية التي تضررت في الهبوط, ولكن للأسف مرت بضعة شهور وتم قطع ما كان يصرف كإيجارات ، وأيضاً توقفت أعمال الترميم , مما أضطر بعض ساكني البيوت للعودة للعيش في بيوتهم المتهالكة لعدم قدرتهم على سداد الإيجار , ومنذ ذلك الحين ونحن نعيش في بيوت الموت المهددة بالانهيار في أي وقت وسط مرأى ومسمع كل الجهات المختصة بصنعاء القديمة.
ويتابع غالب القول :” مع نزول الأمطار الغزيرة هذا العام على اليمن، وتهدم بيت عصده ، زاد خوفنا ، فالأهالي ليس لديهم القدرة على الترميم، يجب على الدولة التحرك وحماية صنعاء القديمة من الانهيار”.
من جهته يوضح عبد الجبار الشويع أن العدوان والحصار على اليمن هو السبب الرئيسي في تهدم البيوت وعدم قدرة المواطنين على ترميمها ، فتوقف صرف المرتبات جعلهم يفكرون أولا في توفير لقمة العيش، علاوة على انقطاع الإيجارات وتوقف أعمال الترميم والمتابعات الدورية للمنازل قبل موسم الأمطار.
ويقول الشويع :”ومن الأسباب المهمة أيضاً، ارتفاع أسعار مواد البناء وأجور البنائين والعاملين , حيث يصل أجرهم في اليوم الواحد إلى خمسة عشر ألف ريال , وأغلب المواطنين أغلقت جميع السبل أمامهم لكسب المال ولا يستطيعوا القيام بصيانة دورية لمنازلهم” .
ويطالب الشويع الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية القيام بمهامها التي أنشئت من أجلها والتي على رأسها المحافظة على منازل مدينة صنعاء القديمة من الاندثار والتهدم .
المواطن محمد فرج، من جانبه يرى أن غارات طيران العدوان الغاشم على اليمن وخصوصاً التي كانت تضرب المنشآت والمرافق القريبة من صنعاء القديمة عجلت في دمار وتهالك المنازل المتضررة ، إضافة إلى الأمطار الغزيرة التي منًّ الله بها على اليمن في السنوات الأخيرة .
ويناشد فرج قيادات الدولة والجهات المختصة ضرورة حماية صنعاء من الدمار المتواصل والإهمال الذي تعيشه منذ سنوات عدة .
من جهتها تقول وكيل الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية ، الدكتورة أمة الرزاق جحاف:” إن الغارات الجوية لطيران العدوان على صنعاء القديمة السبب الرئيسي في تضرر بيوتها ، وجاءت الأمطار الغزيرة وكملت ما دمره طيران العدوان”.
وتشير جحاف إلى أن إجمالي المنازل التي تضررت جراء الأمطار وما بعد ضربات العدوان، وصلت إلى 204 منزل ، منها من تهدم كلياً وأخرى بشكل جزئي ، علاوة على البيوت الآيلة للسقوط والمصابة بأضرار بالغة ، ومن سقطت سقوفها , وما زال تسجيل البيوت المتضررة مفتوح لدى الهيئة من قبل ملاك البيوت.
وتوضح وكيل الهيئة، أن من أسباب تهالك وتساقط بعض البيوت ، أن بعضها مهجورة ، ومنها ما هو مهمل نتيجة تقاسمه بين الورثة , كما ان بعض المواطنين لا يعملوا لبيوتهم صيانة دورية وتفاقد للميازيب ودعم السقوف بالتراب اللازم قبل موسم الأمطار لتفادي الانهيار والخراب الذي يحدثه هطول الأمطار .
وبخصوص الإجراءات التي تتخذها الهيئة تقول جحاف :” في الوقت الحالي نعمل على إزالة الخطر في البيوت الآيلة للسقوط ، وتعميد وترميم سور صنعاء القديمة وذلك حسب توجيهات رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط وبتمويل صندوق التراث , و نحن الآن في إطار عمل حملة توعية شاملة للمواطنين بأهمية الحفاظ على صنعاء القديمة وعدم تشويهها بالإضافات الحديثة من قبل ضعاف النفوس الذين يحاولون تغيير ملامح المدينة التاريخية ، فصنعاء ليست ملك سكانها فقط بل ملك اليمن كاملة ، بما تحتويه من أثار تاريخية ، فلا يحق لأحد مساسها بتغيرات وتشوهات تهدد بخروجها من قائمة التراث العالمي .
وتؤكد وكيل الهيئة، أن المسؤولية لا تقع على الهيئة فقط وإنما تتحمل أمانة العاصمة ووزارة الأوقاف مسؤوليتها في الحفاظ على صنعاء القديمة ، حيث وان مخصص الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية لا يكفي لتغطية إعادة ترميم البيوت كاملة , والذي يقدر بمبلغ 2 مليون ريال ، موزع للمركز الرئيسي بصنعاء وجميع المكاتب في المحافظات ، وهذا المبلغ لا يكفي لتشغيل مكتب واحد الأمر الذي يعيق الهيئة من ممارسة عملها بالشكل المطلوب ، ونحن طلبنا من وزارة المالية زيادة مخصص الهيئة حتى تتمكن من ممارسة مهامها على أكمل وجه .
وفي الأخير تقول الدكتورة أمة الرزاق جحاف :” أتمنى أن يكون لي خربي (بيت صغير قديم) في صنعاء القديمة حتى أعيش فيه وأهتم به , وأناشد أهاليها لمعرفة الجوهرة الثمينة التي بين أيديهم و التي لا تقدر بثمن ، فمعاً نحميها من الاندثار” .
المصدر: سبأ