لا تزال دولة الاحتلال تتنكر للنداءات الدولية والمطالبات التي تحثها على وقف عمليات هدم منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية، ومصادرة أراضيهم، لمخالفتها القوانين الدولية، حيث رصد تقرير دولي جديد قيام تلك القوات بهدم 31 مبنى يملكه فلسطينيون، خلال الأسبوعين الماضيين، في وقت رحبت فيه منظمة التحرير الفلسطينية بتقرير مقرر حقوق الإنسان الدولي، الذي انتقد سياسة “العقاب الجماعي” التي تمارسها سلطات الاحتلال.
وفي تقرير “حماية المدنيين” الجديد الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة “أوتشا”، أوضح أن سلطات الاحتلال قامت خلال الأسبوعين الماضيين بهدم 31 منزلا، بحجة الافتقار إلى رخص البناء التي تصدرها السلطات الإسرائيلية.
وأوضح أن ذلك أدى إلى تهجير 13 شخصا وإلحاق الأضرار بسبل عيش أكثر من 100 آخرين، لافتا إلى أنه في تجمّع فصايل البدوي الفلسطيني في غور الأردن، هدمت السلطات الإسرائيلية 12 منزلا ومبنى يستخدمها أصحابها في المواسم لتأمين سبل عيشهم، موضحا أيضا أن أربعة من المباني الأخرى المستهدفة كانت تقع في أربعة تجمعات بدوية داخل منطقة مخصّصة لتوسيع مستوطنة “معاليه أدوميم” المعروفة باسم (خطة E1) أو بجوارها.
في تجمّع فصايل البدوي الفلسطيني في غور الأردن، هدمت السلطات الإسرائيلية 12 منزلا ومبنى يستخدمها أصحابها لتأمين سبل عيشهم
وأشار إلى أنه جرى هدم مبنيين في تجمع الطيبة (الخليل)، والواقع في المنطقة (ج) أيضا، بموجب الأمر العسكري 1797 الذي ينص على الاستعجال في إزالة المباني، فيما هدمت تسعة مبانٍ في القدس الشرقية، بما فيها اثنان في حي العيسوية، حيث أعلنت بلدية القدس في يوم 19 فبراير عن تجميد عمليات الهدم لمدة ستة أشهر.
ويشير التقرير إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلية جرفت أراضي زراعية في موقعين بالمنطقة (ج) من محافظة الخليل، بحجة أن المنطقة مصنفة باعتبارها “أراضي دولة”، وأنه في منطقة البقعة القريبة من الخليل، جُرِّفت أربعة دونمات من الأراضي المزروعة بالمحاصيل الموسمية ودمرت مع سور استنادي، في حين اقتُلعت 70 شجرة زيتون قرب بلدة سعير.
ورصد التقرير الدولي كذلك هجمات المستوطنين الأخيرة، وقال إنها أدت إلى إصابة خمسة فلسطينيين بجروح، فيما قام المستوطنون أيضا بإتلاف العشرات من أشجار الزيتون والمركبات، لافتا إلى أن جميع الإصابات في حادثتين في قرية بديا (سلفيت)، عندما هاجم المستوطنون مزارعين كانوا يعملون في أراضيهم، حيث أصابوا ثلاثة منهم بالذخيرة الحية، واعتدوا جسديًا على مزارع، فيما اقتحم المستوطنون الإسرائيليون قرية اللُّبَّن الشرقية (نابلس)، حيث أتلفوا 12 مركبة.
وتحدث التقرير عن عملية استشهاد شاب فلسطيني يوم 9 يوليو، حين أطلقت القوات الإسرائيلية النار باتجاهه على مقربة من قرية كفل حارس (سلفيت) بالضفة الغربية، حيث زعمت مصادر رسمية إسرائيلية أن الجنود أطلقوا النار باتجاه فلسطينييْن شوهدا وهما يُلقيان زجاجة حارقة على موقع عسكري، حيث أصيبَ أحدهما وفرّ الآخر، فيما أكدت مصادر فلسطينية أن الشاب الشهيد كان يمر بالمكان، حيث فتحت بعدها السلطات الإسرائيلية تحقيقًا في الحادثة.
ويشير التقرير الصادر عن “أوتشا” إلى أن عدد الفلسطينيين الذين قُتلوا على يد القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية ارتفع إلى 17 فلسطينيًا منذ مطلع العام 2020، وأوضح أن القوات الإسرائيلية أصابت خلال فترة رصد التقرير، 72 فلسطينيًا آخر بجروح في مواجهات متعددة بالضفة الغربية.
وأوضح التقرير الدولي أن الاحتلال أغلق الحواجز الرئيسية التي تتحكّم في الوصول إلى المنطقة المقيَّد الوصول إليها في مدينة الخليل لعدة ساعات كل يوم خلال الفترة التي يغطيها هذا التقرير، مما أدى إلى تعطيل وصول الفلسطينيين إلى الخدمات الأساسية في المناطق الأخرى بالمدينة، حيث أوضح التقرير أن الإغلاق جاء بعد الاحتجاجات والاشتباكات المناهضة للضم، والتي جرت بصورة يومية تقريبًا على مقربة من الحاجز (خارج المنطقة المقيّد الوصول إليها)، لافتا إلى أن هذه القيود تسبّبت في تفاقم البيئة القسرية المفروضة على أكثر من 1,000 فلسطيني يسكنون في هذه المنطقة من مدينة الخليل، حيث أقيمت التجمعات الاستيطانية الإسرائيلية.
ورصد التقرير إطلاق القوات الإسرائيلية النار في 18 مناسبة على الأقل النيران التحذيرية قرب السياج الحدودي الإسرائيلي المحيط بغزة وقبالة ساحلها بحجة فرض القيود على الوصول، لكن دون أن تؤدي إلى وقوع إصابات، فيما اعتقلت القوات البحرية الإسرائيلية في إحدى الحوادث أربعة صيادين وصادرت قاربين، كما أُطلق سراح هؤلاء الصيادين في وقت لاحق. وفي حادثتين، اعتقلت القوات الإسرائيلية فلسطينييْن بينما كانا يحاولان دخول إسرائيل، أحدهما عبر السياج والآخر عن طريق البحر. وفي ثلاث مناسبات، دخلت القوات الإسرائيلية غزة ونفذت عمليات تجريف وحفر قرب السياج.
وأشار إلى أنه في يوم الخامس من يوليو، أطلقت جماعة مسلحة فلسطينية ثلاثة صواريخ باتجاه جنوب إسرائيل، وشنّت القوات الإسرائيلية على إثرها هجومًا على موقع تابع لجماعة مسلحة وعدة مناطق مفتوحة في غزة، دون أن تسفر أي من هذه الهجمات عن وقوع ضحايا، غير أنها ألحقت الأضرار بثلاثة منازل ومزرعة فلسطينية بفعل الغارات الجوية الإسرائيلية.
وفي السياق، كان المقرر الأممي لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، مايكل لينك، اعتبر ممارسات إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني إهانة للعدالة ولسيادة القانون، وقال لينك في تقرير له أمام الدورة الرابعة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان: “يمكن معاقبة المذنبين فقط على أفعالهم، وفقط بعد عملية عادلة. لا يمكن معاقبة الأبرياء على أفعال الآخرين”.
وأضاف لينك وفقا لمركز أخبار الأمم المتحدة، أن هذه الممارسات تنطوي على انتهاكات خطيرة ضد الفلسطينيين بما في ذلك الحق في الحياة وحرية التنقل والصحة والمأوى المناسب ومستوى المعيشة اللائق، مشددا على ضرورة قيام إسرائيل بـ “التوقف الفوري عن جميع الأعمال التي ترقى إلى العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني”، مؤكدا أن تلك الأفعال يتضرر منها الملايين من الأبرياء يوميا، ولم تحقق أي شيء سوى “نشوء توترات أعمق وأجواء مواتية لمزيد من العنف”.
وانتقد المقرر الخاص سياسة إسرائيل المستمرة بهدم منازل الفلسطينيين بشكل عقابي، وقال إنه ومنذ عام 1967، دمرت إسرائيل أكثر من 2000 منزل فلسطيني، مصممة على معاقبة عائلات فلسطينية على أفعال ربما ارتكبها بعض أفرادها، لكن تلك العائلات لم ترتكب أي شيء، وشدد على أن القانون الدولي الإنساني حظر “العقاب الجماعي” بشكل واضح.
جدير ذكره أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رحبت بالتقرير، وقال عضو اللجنة ورئيس دائرة حقوق الإنسان والمجتمع المدني أحمد التميمي: “إن التقرير مستند ووثيقة تضاف إلى القرارات والقوانين الدولية المتعلقة بعدالة القضية الفلسطينية، والتي يبنى عليها في تجريم الاحتلال”، وأضاف: “التقرير وضع اليد على واحدة من جرائم عدة يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد شعبنا، وهي العقاب الجماعي”.