أنهى المدرب الألماني يورغن كلوب انتظارا دام ثلاثين عاما لعشاق نادي ليفربول، بانتزاع لقب الدوري الإنجليزي لكرة القدم للمرة الأولى منذ عام 1990، ليضع نفسه على خطى المدرب الأسطوري للفريق الأسكتلندي بيل شانكلي المؤسس لنجاح العقود الماضية.
في عام 2015، تعاقد النادي مع كلوب (53 عاما)، بعد تجربة ناجحة مع بوروسيا دورتموند الألماني، توجها بلقبين في البوندسليغا، ومباراة نهائية لدوري أبطال أوروبا خسرها أمام الغريم بايرن ميونخ. وقال كلوب يوم توليه مهامه على رأس الإدارة الفنية “إذا أراد أحد مساعدة نادي ليفربول، عليه أن يتحول من شخص يشكك إلى شخص يؤمن”.
وتسلم الألماني مهمة نادٍ يعاني للخروج من الصعاب: لقب ضاع في المراحل الأخيرة لموسم 2013 – 2014 بعد تعثر قائده ستيفن جيرارد أمام تشيلسي، موسم لاحق أنهاه في المركز السادس، وتراجع متواصل في موسم 2015 – 2016 أفضى إلى سقوط نحو المركز العاشر في الترتيب في خضم الموسم، ما دفع إلى إبعاد المدرب الإيرلندي الشمالي براندن رودغرز والإتيان بكلوب.
بشخصيته المحببة وشغفه الكبير الذي لم يخفه يوما على ملعب أنفيلد أو أي مكان آخر خاض فيه فريقه المباريات، أعاد كلوب تذكير المشجعين بالدور الكبير الذي أداه الراحل شانكلي، بعدما أشرف على النادي بين 1959 و1974، ومهّد للفريق الذي هيمن على الكرة المحلية لأعوام طويلة.
تولى شانكلي مهامه وليفربول قابع في الدرجة الثانية. لكن في أعوام عهده الـ15، رفعه إلى دوري الأضواء، وقدم له لقب الدوري ثلاث مرات، إضافة إلى لقب أول في كأس إنجلترا، ووضع أسس النجاح الذي بنى عليها خلفه بوب بايسلي لتحقيق ثلاثة ألقاب قارية بين العامين 1977 و1981.
أمسك بالشغف
يرى غرايم سونيس، المحلل التلفزيوني الحالي وأحد أسماء الحقبة الذهبية الماضية لليفربول، أن شانكلي كان “شخصا قادرا على التواصل، يوفر عرضا كبيرا” وقائدا فذا على جانب المستطيل الأخضر. صفات اجتمعت أيضا في كلوب، ويضيف إليها سونيس قدرة الألماني “على لمس الشغف في المكان (النادي). ليفربول هو نادٍ عاطفي جدا، بتاريخه، بمآسيه. هذه هي المشاعر التي تلمسونها لدى زيارة أنفيلد وسماع ‘لن تسير لوحدك أبدا’”، النشيد الشهير للفريق الذي يتردد في كل مباراة.
بالنسبة إلى الظهير الأيمن الشاب ترنت ألكسندر – أرنولد الذي حجز مكانه الأساسي في التشكيلة في عهد الألماني، كلوب “يجسد كل ما يمثله هذا النادي. حتى وإن كان من خارج المدينة والبلاد، لكنه ملتصق بالنادي”. انضم كلوب إلى ليفربول بعد تجربة في نادٍ يعرف بعلاقاته الوطيدة مع مشجعيه، هو دورتموند الذي يضم ملعبه “سيغنال إيدونا بارك”، أحد أشهر مدرجات الملاعب الأوروبية وأكثرها صخبا، أي “الجدار الأصفر”.
ليفربول يخطط للبقاء على رأس هرم الكرة الإنجليزية، لاسيما بعدما وقع عدد كبير من الأساسيين على تمديد عقودهم
على الصعيد الشخصي، كان شانكلي شخصية مثيرة للاهتمام، تنقل ما بين العمل في المناجم كفتى، وصولا إلى دوره العسكري في الحرب العالمية الثانية، وميوله السياسية الاشتراكية، وصولا إلى منصبه كمدير فني.
لكن شانكلي لم يقصّر يوما في إظهار صعوبة مهمة إرضائه، وقال ذات مرة إن كل من يريد الدفاع عن ألوان ليفربول بجدارة “عليه أن يكون مستعدا لاختراق جدار من الحجارة والخروج من الطرف الآخر مستعدا للقتال”. تنافسيته لم تغب أيضا عن تصريحاته التي دائما تمزج بين الجدية والمزاح، إذ اعتبر ذات مرة أن الحلول “في المركز الأول يعني أنك الأول. أما الحلول في المركز الثاني، فلا يعني شيئا”.
عرف كلوب مرارا مع دورتموند معنى الحلول ثانيا، إذ خسر أكثر من مباراة نهائية أوصل فريقه إليها. مع ليفربول، بدت التجربة قابلة للتكرار، لاسيما في نهائي مسابقة دوري أبطال أوروبا عام 2018، حين كان قريبا من رفع الكأس، لكنه اصطدم بعثرة ريال مدريد الإسباني. لكن الألماني، إضافة إلى شغفه الهائل باللعبة ولاعبيه وفريقه، هو شخص يدرك كيف يتعلم من التجارب. في العام التالي، عاد إلى نهائي المسرح الأوروبي، وهذه المرة لم يكن توتنهام الإنجليزي قادرا على منع ليفربول من إحراز اللقب القاري الأغلى للمرة السادسة في تاريخه.
وأضاف ليفربول مع كلوب لقب كأس العالم للأندية في ديسمبر 2019. نجاحان أنسيا متابعي كرة القدم أن الفريق نفسه أنهى الموسم المحلي 2018 – 2019 ثانيا برصيد 97 نقطة، وبفارق نقطة يتيمة عن مانشستر سيتي الذي احتفظ بلقب لم يحسم سوى في المرحلة الأخيرة.
في الموسم الماضي، قدم ليفربول أداء مذهلا على الصعيد المحلي، واكتفى بخسارة واحدة، مقابل أربع للبطل. لكن ما أضر بكلوب ولاعبيه هو كثرة التعادلات (7). غير أنه في موسم 2019 – 2020، لم يتمكن أحد من وقف اندفاع الـ”ريدز”، ولا حتى جائحة كوفيد – 19 التي علّقت منافسات الدوري لأكثر من ثلاثة أشهر، وجعلت مشجعي الفريق يعانون من كوابيس احتمال عدم تتويجهم أبطالا لدوري كانوا متصدريه بفارق 25 نقطة.
لكن كلوب يحذّر دائما من مقارنته بشانكلي المحفور اسمه في أنفيلد. وقال بعدما كسر الرقم القياسي لعدد الانتصارات المتتالية للفريق الذي يعود إلى الستينات “لن أقارن نفسي أبدا” بالمدرب الراحل. شاء أم أبى، لقب بطولة إنجلترا بعد الانتظار الطويل، سيجعل اسم كلوب محفورا في ذاكرة جيل جديد من مشجعي ليفربول الذين لم يعرفوا بطلا سواه.