عبدالمجيد التركي
منذ زمن طويل توقفتُ عن قراءة الدراسات النقدية، والانطباعات التي يكتبها البعض في حال صدور مجموعة شعرية جديدة..
الدراسات الجادة والعميقة تصعّب عليَّ قراءة الشعر بأحاسيسي.. أما مقدمات الكتب فلم أقرأ سوى مقدمة واحدة في حياتي، لذلك أصدرتُ كتبي الثلاثة دون مقدمة.. فإن كانت رديئة فلن تفلح المقدمة في تجميلها.
هناك مقدمة واحدة هي استثناء، أقرأها باستمرار ولا أمل منها.. مقدمة رواية (كلهم على حق).. أقرأها بين فترة وأخرى وبين يدي كيس كبير من الفوشار وثلاجة شاي لكي أمضغ تلك المقدمة جيداً.. رغم أن كاتبها قام بكتابتها يوم عيد ميلاده المائة.
تضجرني المقدمات المليئة بشخص الكاتب ودماثة أخلاقه وطيبته التي يسهب في وصفها كاتب المقدمة.. كما تجعلني بليداً تلك الدراسات النقدية المليئة بالأسهم والمثلثات والمربعات، التي يسمونها “السيميائية”.
كتابي الأول (اعترافات مائية) كتب سبعة طلاب ماجستير من جامعة صنعاء بحوثهم التمهيدية عنه، وأكثر منهم أيضاً كتبوا بحوث الماجستير في جامعة ذمار عن هذا الكتاب.. هذه المعلومة لأول مرة أقولها، ولا يعرفها حتى القريبون مني، لأنني لا أدري ما أقول حول هذا الأمر.. وما استدعاني لقول هذا هو أنني أيضاً لم أقرأ سوى أول خمس صفحات من هذه البحوث التي أعطاني الطلاب الجامعيون نسخة منها، ثم أشعر بالغباء وأتوقف عن القراءة.
ليس هذا تواضعاً بقدر ما هو خجل، وخوف.. أخاف أن تكون نصوصي كما يقولون في هذه البحوث، وأخاف أيضاً ألّا تكون كما يقولون.
الشعر لا يحتاج إلى دراسات هندسية وسيميائية تحوله إلى طلاسم..
يكفي أن تفتح فمك من الدهشة حين تقرأ نصاً لتتأكد من أنه جيد.. أما النصوص الرديئة فإننا نتوقف بالفطرة في السطر الرابع، لأننا لم نتذوق طعماً ولم نشم رائحة.
قد تكون لي أخطاء كثيرة في رحلتي مع الكتابة، لكن.. حسبي أنني لم أكتب مقدمة لأي كتاب، رغم أن هناك من كان يلحُّ عليَّ وكنت أتهرب، لأنني أعتبرها مسؤولية كبيرة، ولأنني أيضاً أحب الكاتب وأعرف أنه سيندم بعد حين لأنه وضع مقدمة لكتابه.
أما الذين سيكون لهم مكان مخصص في الجحيم، فهم أولئك الذين يضعون ثلاث مقدمات في كتيِّب لا يتجاوز سبعين صفحة.!!