• بات من الواضح جدًا أنَّ السلطات في بلادنا، وسلطة صنعاء بشكل أقوى، تمارس سياسة “التعتيم” عن الكثير من الحالات الناتجة عن فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، فما نسمع عنه ونطَّلع عليه يوميًّا يؤكِّد أنَّ الحالات على أرض الواقع، سواء أكانت إصاباتٍ أم وَفَيَاتٍ، أضعاف الأعداد التي تم ويتم الإعلان عنها رسميًّا، ليس في مدينتي صنعاء وعدن فحسب، وإنما في مدن ومحافظات أخرى، أيضًا.
• هذه السياسة العجيبة الغريبة التي تمارسها السلطات المشار إليها، لا تصب سوى في مصلحة فيروس خطير سريع العدوى والانتشار؛ بحكم أنها –بسياستها هذه- ستجعل الكثير من أبناء الشعب يتعاملون مع الموضوع بطريقة تغلب عليها اللامبالاة، يضربون فيها بالإجراءات والسُبُل الوقائية عُرض الحائط، ولن تحظى دعوات الأخذ بالحيطة والحذر بالتجاوب أو التفاعل المأمول.
• على العكس من ذلك، تبدو سياسة مصارحة الشعب بما يحدث، بوضوح وشفافية، ودون تهوين أو تهويل، منطلَقًا رئيسًا لمواجهة هذه الجائحة، فإلى جانب أنَّ “الصراحة راحة”، فإن من شأنها أن تسهم في تشكيل حسٍ مجتمعيٍّ ذي وعيٍ عالٍ بخطورة الوضع، وإدراك العواقب الوخيمة التي يمكن أن تنتج عن استمرار “الضحك على الذقون” بحكاية أن بلادنا محروسة ولن يصيبها الفيروس، حتى وإن كان منتشرًا في مختلف دول العالم، بما فيها الدول المجاورة.
• إنَّ الإعلان الصريح الشفَّاف من أوجب واجبات المرحلة على الجهة المختصة المتمثِّلة بوزارة الصحة العامة والسكان، ولا سيَّما أنَّ الامتناع عن كشف حقيقة الوضع، علاوةً على كونه طريقةً مُجَرَّمَةً وفق قانون الصحة العامة؛ فإنه سيبقى أسلوبًا غير مجدٍ إطلاقًا، فإن صمد قليلًا، لن يستمر طويلًا، وخاصةً إذا أخذنا بالاعتبار أنَّ طبيعة المرض تستعصي على ذلك، وسيعلن هو عن نفسه، وما يلحظه المتتبِّع للمشهد الصحي المحلي منذ أيام يؤكد ذلك، فعلى الرغم من الغموض الذي يكتنف المشهد على الصعيد الرسمي، وبخاصةٍ لدى وزارة الصحة بصنعاء، إلا أنه يبدو واضحًا بقوة على الصعيد الشعبي، وفي حال استمر الحال على هذا الشكل، فسيكون القادم أكثر صعوبةً، ونخشى أن نصحو على كارثة تفوق ما نتصوره، وهو الوضع الذي نتضرَّع إلى الله أن يقينا إيَّاه.
• لقد أثار هذا التحفظُ الرسمي عن وجود فيروس كورونا الاستغرابَ والتعجُّب في مختلف الأوساط؛ على اعتبار أنه تحفُْظ غير مبرِّر بالمطلق، فوجود الوباء لا يشكِّل عيبًا بحق هده السلطة الحاكمة أو تلك، فقد انتشر في مختلف دول العالم، وعجزتْ دولّ عظمى عن مواجهته، بالرغم من إمكاناتها العالية، في كافة الاتجاهات، بينما لا تملك بلادنا أقل القليل من أساسيات متطلبات المواجهة المطلوبة، ولكن يظل من مسؤولية ومهام أية سلطة حكم أن تقوم بواجباتها على أكمل وجه تجاه المواطنين من أبناء الشعب الذين يقعون تحت إطار حكمها، من خلال تهيئة المستشفيات وتوفير سُبُل الحماية للأطباء والممرضين، بأقصى الإمكانات المتوفرة، وإغلاق كافة أماكن الازدحامات، وبالذات الأسواق، وقبل ذلك لابُدّ من تصوير الوضع للمواطنين على حقيقته.
• ولابُدَّ من التنبيه هنا إلى أنَّ ثَمَّةَ مسؤوليةً ملقاةً على عاتق الشعب، فما حدث ويحدث في العالم، يؤكِّد تعذُّر نجاح دولةٍ ما في مواجهة أزمة بحجم كورونا والسيطرة عليها، بمجرَّد جهود حكومية فقط، وهذا يعني أنَّ من اللازم إسناد الجهود الحكومية بالجهود الشعبية، وهي جهود تبدو أغلبها -إن لم تكن كلها- في متناول أغلب الشعب، عن طريق التزامهم بالتعليمات الموصى بها من أهل الطب الذين يقفون في الخطوط الأمامية لهذه المعركة الصحية، وهي تعليمات أصبحنا نحفظها كما نحفظ أسماءنا، ويبقى أن يقوم كلُّ واحدٍ بأقصى ما يمكنه القيام به منها.
• أرجو أن أجد مظاهر التعامل الجاد مع هذه الجائحة في مختلف مناطق الوطن اليمني الكبير، بصورة تسهم في انحصاره وانحساره، وتحول دون توسعه وانتشاره، آملًا من الجهات الرسمية أن تتخذ خطواتٍ جادةً تضبط الوضع خلال إجازة العيد، من خلال إيقاف صلاة العيد والحظر الذي يحول دون الزيارات العائلية، فيحتفل الناس في بيوتهم ويقتصر التواصل على الهاتف ووسائل التواصل، وبذلك نكون قد انتقلنا بمقولة “عيد العافية” من جانب التنظير إلى جانب التطبيق.
sadikwagih@yahoo.com