في الحجر المنزلي الذي يقبع فيه أغلب البشر حالياً حول العالم، يلجأ كثيرون لقراءة الأعمال الأدبية والروايات لتمضية الوقت.
وإذ يدور الجدل بين الأدباء عن جدوى قراءة أدب “المدينة الفاسدة أو الواقع المرير” (ديستوبيا) زمن الجائحة، يزعم بعض الناقدين أن خيال الأوبئة يجلب بعض الشعور بالراحة كون الفن يعكس الحياة، ويؤكد آخرون عكس ذلك إذ يحمل هذا الأدب معه مرآة لأعمق المخاوف الإنسانية من اللحظة الراهنة.
ومقابل الروايات الخيالية التي تنبأت بالأوبئة، وجد بعض الكتاب من الواقع الحالي مادة خصبة لبناء خيال يستشرف مستقبل جرى تدميره بفعل وباء عالمي، ومن هؤلاء الكاتبة والصحفية الجنوب أفريقية لورين بيوكيس (1976) التي تصدر روايتها “بعد الأرض” هذه الأيام.
بعد الأرض
في الرواية الخيالية وخلال 350 صفحة تقريبًا، قتل فيروس شديد العدوى حوالي أربعة مليارات رجل، وأصبح المجتمع الإنساني في حالة سيئة مع عدم وجود علاج في الأفق، وفقدت النساء فرص الإنجاب ولم يبق سوى عدد محدود من الذكور الناجين أثبتوا أن لديهم مناعة صحية أو جينا مقاوما للمرض، فأصبحوا سلعًا لأجندات مختلفة في عالم يغلب عليه النساء.
في مزيج من التشويق النفسي والإثارة والخيال العلمي، يتابع قارئ الرواية نجاة مايلز البالغ 12 عاماً مع أمه، وتسعى السلطات لحجزه في الحجر الصحي للأبد في حين يسعى المتاجرون بالبشر وطائفة من الراهبات للحصول عليه. وفي مطاردة يائسة عبر أميركا التي تغيرت جذريًا، ستقوم الأم بكل ما يلزم لتأمين ابنها والنجاة به إلى أرض الوطن (جنوب أفريقيا).
وفي حوارها مع مواطنتها الأكاديمية ندين مونسامي المختصة بأدب الخيال العلمي المعاصر بجنوب أفريقيا، قالت بيوكيس إن روايتها لا تدور عن الجائحة وإنما ما بعدها، إذ يبقى عدة ملايين من الرجال فقط وتتغير تبعاً لذلك أنماط الحياة عالمياً.
ما بعد الجائحة
قالت الكاتبة إنها تحدثت لبعض الخبراء عن بحث فكرة الرواية الخيالية، بما في ذلك خبراء في الاقتصاد الجديد المتخيل، وعلماء الفيروسات والمبرمجون، وسألت ضباط شرطة في كيب تاون عما إذا كان عمل العصابات وتجارة المخدرات سيستمر إذا اختفى جميع الرجال، وأجابوا بالطبع لن تتوقف (هذه العصابات) وستستمر بنفس الطريقة وربما أسوأ “لأن عليهن إثبات أنفسهن أكثر”.
وتستكشف الروائية فكرة أن عالم النساء لن يكون بالضرورة مكاناً ألطف وأجمل وأكثر أمناً وإنما هو “عالم من الناس، فيه القدرة البشرية الكامنة للخير والشر، لأن المرأة قادرة على أن تكون متعطشة للسلطة، وعنيفة، ومهتمة بذاتها، وبإساءة معاملة، وشريرة مثل الرجل خاصة عندما نعيش في نفس المجتمع، ولكن ربما بطرق مختلفة”.
وبالمثل، فإن الرجال قادرون على أن يكونوا متعاطفين، ومانحين للرعاية والصداقة، تضيف الروائية الجنوب أفريقية في حوارها المنشور بمنصة كوفيرذيشن.
وكما هو الحال مع الروايات الخيالية الجيدة، تهتم بيوكيس بإعادة تشكيل المجتمع الذي يحدث في أعقاب الوباء المتخيل، بما في ذلك الأشكال الجديدة للتنظيم الاجتماعي، والتفاعل الإنساني، وبالطبع الانحراف والمشكلات الناجمة عن كل ذلك.
وتقول الكاتبة على لسان إحدى شخصيات الرواية “لا يمكنك أن تتخيل كم يمكن للعالم أن يتغير في ستة أشهر.. لا يمكنك ذلك”.
وتتيح الرواية رؤية أميركا من خلال عدسات جنوب أفريقية، وتتعرض للاختلافات بين المدن في القارتين، ولم تخل لغة الرواية من لهجة جنوب أفريقية واضحة.
ورغم أنها خيالية بالكامل فإنها اشتملت على عديد المشاهد التي تبدو مستوحاة من الواقع مثل نقص المطهرات وغسل اليدين بشكل صارم والقلق من عدم العثور على علاج أبداً، ونظريات المؤامرة، وانهيار الأسواق المالية، وتكدس المستشفيات، وغيرها من المشاهد التي تكاد تكون عناوين صحف اليوم.
ومع ذلك، ورغم أنها صدرت بالتزامن مع إغلاق جنوب أفريقيا بسبب جائحة كورونا، لكنها مليئة بقصص الحب والأمل حتى وقت العزلة وفي أحلك اللحظات وأكثرها خطورة وقلقاً.