محمد الساهل*
« ما طُبع يوما يصبح إلى الأبد ملكا للعالم، وليس لأحد الحق في أن يمحوه، فإذا فعل ذلك فهو يُهين العالم إهانة أكبر بكثير من تلك التي يرتكبها مُؤَلِّف الكتاب المُصَادر»
غوتهولد إفرايم لينسغ
«الخيال مثل حيوانات برية معينة لن يتناسل وهو في الأسر»
جورج أورويل
للمَنْع – لو استعرنا التوصيف القديم – (أيادٍ بيضاء) على العمل الأدبي، ليس فقط ﻷن المنع يستجلب الفضول والاهتمام للعمل الممنوع، بل أيضا ﻷن المنع يضفي – دونما قصد طبعا – (الشرعية الأدبية) على العمل الممنوع. إن المنع – والحال هذه – هو دعاية للعمل الأدبي. ولا حاجة للتأكيد هنا على أن المنع يُغْري القارئ بالعمل الأدبي، ويُسَوِّق هذا العمل – إلى جانب ذلك – على نطاق واسع، ويُذْكِي – أخيرا – الجدل حول العمل الممنوع. إن المنع – وفق الرؤية المُومَا إليها – يضطلع بالأدوار التي تُنَاط عادة بوسائط الدعاية، مثل الإغراء والتسويق والترغيب. وإذا كانت وسائط الدعاية تفشل – في بعض الأحيان – في أداء هذه الأدوار، فإن المنع لا يُخطئ – إطلاقا – هذه الأدوار، ﻷن المحظور – ببساطة – مرغوب على الدوام. وعليه، يمكن القول إن المنع ينقلب على المانع، ﻷنه بدل أن يُوقِع الشِّقاق بين العمل الأدبي والقارئ، فهو يعضد أواصر المودة بينهما، وﻷنه بدل أن يفصل فهو يصل، وبدل أن يبعد فهو يقرب. ولربما لهذا السبب صار كهنوت الأدب لا يلجأ – مؤخرا – إلى المنع، ﻷنه يعي أن المنع يوسِّع أكثر مما يقلِّص، يوصل أكثر مما يفصل، يجذب أكثر مما ينَفِّر. إن المنع – والحال هذه – اتصال لا انفصال، جذب لا نفور، تمدد لا تقلص، وإقبال لا إدبار.
وبقدر ما يستجلب المنع للعمل الأدبي الاهتمام والفضول والشهرة، بقدر ما يصنع المنع للعمل الأدبي (قيمة أدبية). إن المنع – والحال هذه – هو شكل للاعتراف الأدبي، أي إن كهنوت الأدب يضفي – وهو يَحْجُر على عمل أدبي ما – الشرعية الأدبية على العمل الممنوع، ويصنع – إلى جانب ذلك – الثقة الأدبية للاسم الممنوع في سوق الأدب. ولا حاجة للتأكيد هنا على أن هذه الشرعية لا تسقط بالتقادم، أي إن العمل الأدبي يحتفظ بالشرعية الأدبية، بعد أن يَرْفَعَ كهنوت الأدب الحجر الأدبي. ومما تجدر إليه الإشارة في هذه المناسبة، أن الأديب يستفيد – مستقبلا – من هذا المنع. فوحده هذا المنع كفيلٌ بأن يضمن للأعمال اللاحقة الرواج والإقبال، ووحده هذا المنع كفيل بأن يبعد الأديب عن (المساءلة الفنية). إن المنع – لو استعرنا المثل القديم – هو ضارة نافعة، ولربما نفع المنع أكبر من ضرره، ليس فقط ﻷن المنع يضفي القيمة الأدبية على مؤلفات الأديب، ما ظهر منها وما بطن، بل أيضا ﻷن المنع يستجلب للأديب الحظوة إعلاميا وجماهيريا، وتختفي – فضلا عن ذلك – كل العوائق – عوائق النشر تحديدا – التي تواجه عادة الأدباء، فالمنع يقلب موازين القوة، فبدل أن يطلب الأديب فإنه يغدو مطلوبا، وبدل أن ينفق على النشر، فإن النشر هو الذي ينفق عليه. (لا أشقى من أديب لم يفرض عليه الحجر الأدبي). لكن، ما هو الكتاب الذي يستحق أصلا المنع؟
يجيب كريستوف ليشتنبرغ عن هذا السؤال بالقول: «الكتاب الأكثر استحقاقا للمنع في العالم هو الكتاب الذي يضم عناوين الكتب الممنوعة».
- كاتب مغربي