أن تستمر بالحلم بمدينة القرن التي أطلق عنوانها ولي عهد النظام السعودي (مدينة نيوم) الممتدة من فلسطين المحتلة مارة بالأردن ومصر وصولاً إلى جزر اليمن وسواحلها ومضيقها ومدنها وانتهاء بجيبوتي، فذلك هو المطلوب، لكن دون أن يسمح لك بالتفكير بأن هذا المشروع هو حلم (إسرائيل الكبرى) وحدودها المفتوحة؛ التي تحدث عنها بن غوريون وتلا ميذه الذين حددوا خارطة كيانهم بالأرض التي تَحُط عليها قدم الصهيونية، كوكيل للمصالح الغربية، يتم استثمار أساطيره، كشريك وقفاز للعنصرية الغربية.
(أن نستمر بالحلم لا بالتفكير) يعني طمس السمات السلبية التي تترتب عن مدينة الأوهام، التي هي في جوهرها مشروع تمكين و(صفقة القرن ) التي يصب خراجها لصالح الغرب ووكيلهم في المنطقة.
السكوت عن السمات القاتلة من تدمير للقضية الفلسطينية وتصفيتها، والهوية العربية والمقدرات الاقتصادية، أي الحلم بأن تعيش في حالة كفاف من سكن وقوت يومي..المعيشة الفقيرة المعوزة مقابل الأرض!
إنها معادلة العصر: أن تُمنح فرصة العيش ذليلاً مقهوراً مقابل أن تتنازل عن التفكير، وأن تعيش في حالة تسليم مستدام!
تشتت (صفقة القرن) الانتباه عن الممارسات العنصرية والاستيطانية الاجتثاثية التي يمارسها الكيان الصهيوني، ويصبح المقاوم له إرهابي وعدو لـ(السلام) كصفقة!
عندما يقوم المثقف بمجارات أفيون الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي فإن ذلك لا يعبرعن قناعة وإنما عن تعطيله للعقل النقدي، فالتماثل في الخطاب لا يعني أن الجميع قد ذابوا في بوتقة واحدة وإنما على العكس “إنه يبين إلى أية درجة يُشارك المُسَيطَر عليهم في الاحتياجات والإرضاءات الضامنة للإبقاء على الطبقات المهيمنة. “ص266-نظام التفاهة-دار سؤال-بيروت-2020-مقتبسا من كتاب (الرجل ذو البعد الواحد)-هيربرت ماركيوز.
نموذج للمثقف الذي يتماهى مع عصر (ترميز التافهين) أي تحويلهم إلى رموز ونجوم في مواقع التواصل الاجتماعي والجوائز العالمية “ما يجعل كثير من تافهي مشاهير السوشال ميديا والفاشينستات يظهرون لنا بمظهر “النجاح” هو أمر يسأل عنه المجتمع نفسه، الذي دأب على التقليص التدريجي لصور النجاح التي تعرفها البشرية ككل (العمل الجاد والخير..والمواطنة الصالحة وحسن الخلق والأكاديميا والآداب والفنون والرياضة) إلخ، فألغاها جميعاً من قائمة معايير النجاح، حتى اختزلها في المال فقط، فلم يُبق إلا عليه وحده معيارا.
لقد حذرنا من ذلك كثيرا .من ينكر الآن أن المشاهير والفاشينستات قد حققوا “النجاح” فعلاً، وفقاً لمعايير المال؛ وهو المعيار الوحيد الذي وضعه مجتمعنا نصب أعين شبابه؟ “ص52-نظام التفاهة.
ومن (ترميز التافهين):
“شخص يُرى وكأنه عالم رغم أنه لم يدرس، رجل حكيم ولكنه لم يفعل أي شيء متعب: له لحية مهيبة من دون أن يحرق زيت الليل، مليء بالعواصف ولكنه لم يمسح غبار الكتب قط، متنور جداً خلال النهار أو الليل. باختصار، إنه كاهن الابتذال؛ شخص يتفق الجميع على مالديه من معارف عظيمة، رغم أنهم لا يعرفون عنها شيئا. “ص200-نظام التفاهة -آلان دونو- ترجمة د.مشاعل عبد العزيز الهاجري-دار سؤال -لبنان-بيروت 2020