صدر حديثاً عن دار شامل للنشر والتوزيع، للباحث الأكاديمي الفلسطيني، أحمد خولي، المتخصص في الدراسات الميثولوجية والنقد الحديث، مؤلف جديد بعنوان “انعتاق المعبد”.
يَضُمُّ المُؤَلَّفُ بَيْنَ دَفَّتَيْه مجموعة من الدراساتٍ العلمية المُحَكَّمةً التي سبق للكاتب الباحث في مسلك الدكتوراة، في جامعة ابن طفيل بالمغرب، نَشرها في ظروفٍ مُتفاوِتَةٍ، حيث جَعَلَتْ مِنَ الأسطورةِ وتَجَلِّياتِها، وميكانزمات توظيفها واشتغالها، مَوْضوعاً للبَحْثِ والدِّراسةِ والتنقيب.
جاء في مقدمة الكتاب أن الدراسة سعت “في الفَصْلِ الأوَّلِ إلى اسْتِكْناهِ الأُسِّ الميثوبيِّ لِلأَحْلافِ المَعْقودةِ، والعُهودِ المُبْرَمَةِ في العَصْرِ الجاهِليِّ، قاصدةً بِذلكَ الكَشْفَ عَنْ مَظانِّها البِدْئيَّةِ التي انْبَثَقَتْ مِنها، وذلك عَبْرَ تَأصيلِ الأحْلافِ ميثوبِيّاً، ثُمَّ الولوج إلى قَراءةِ كَيْفِيَّةِ عَقْدِها، وَأماكِنِ إبرامِها، وَطقوسِ تَوْثيقِها، وَالوَظائِفِ الدّينِيَّةِ التي وُكِلَتْ إِلَيْها، مُتَّخِذَةً مِنْ حِلْفي المُطَيِّبينَ وَلَعْقَةِ الدَّمِ أُنْموذَجاً للدِّراسَةِ”.
ولمّا كان للمثلِ الجاهليِّ الدورُ الدينيُّ المهم، والأثرُ الأسمى، والأداءُ الطَّقْسيُّ في حياة الإنسان الجاهليِّ، حظيَ باهتمامِه وتقديسِه وعنايتِه؛ ذلك لاختزالِه معتقداً دينيّاً يؤدى بطقوسِه في معابِدِهم خلال مواسمهم الدينيّة، فغالباً ما تُشَكِّلُ العباراتُ المسكوكةُ كالأمثال قوالِبَ تحيلُ بِأَثَرٍ رجعيّ إلى الأنساق الثقافيّة التي انْعَتَقَتْ مِن رَحْمِها، وانطلاقاً ممّا سبق؛ نَهَضَتِ الدّراسةُ في الفَصْلِ الثّاني بِإبرازِ النماذج الميثولوجيّة والطَّقْسيّة في المثل الجاهليّ، مُحاوِلَة وضْعها بتجليّاتِها الميثيّة البدئية موضعها الأوّل، متَّخِذَةً مثلَ طوافِ العرْيِ أنموذجاً لها.
وفي الفَصْلِ الثّالِثِ، وقَفَتِ الدّراسةُ على محاوَلةِ عرضٍ وتحليلٍ وتقصٍّ للموروثِ الأسطوريِّ المندرجِ في رمزيّةِ سَعدٍ الميثولوجيّة، المتجلِّية في السُّعُد (سعد الذّابح، وسعد بُلَع، وسعد السّعود، وسعد الأخبية)، الموروثةِ من العصر الجاهليِّ، المألوفةِ تداولاً في الأدب الشعبيِّ، دون إدراكٍ لكنْه دلالتِها ورمزيّتِها، كونها غدت متحجّراتٍ أسطوريّة لأسبابٍ تراكميّة، بَدْءاً بِإخراج اللّغويّين القُدَماء الموروثَ الجاهليّ من معبدِه الدينيِّ وطقوسِه إلى معبدِه اللّغويّ وشواهدِه النّحْويّة والصّرفيّة والدّلاليّة، انتقالاً إلى حَمْلِ المعجميّين دلالاتِ الجذرِ اللّغويّ على المعنى الحقيقي، مع إسقاطِ المعنى الفكريِّ الذي انبثق منه في كثيرٍ من الأحيان.
وَلَئِنْ كانَ المَعْبَدُ الجاهليُّ مُنْعَتِقاً في دراساتِ الفصولِ السابقةِ، فسيجيءُ محمود درويش في الفصلِ الأخيرِ لِيُعْتِقَ المعْبدَ الكَنْعانيَّ، مؤصِّلاً ذاتَه الجمعيّة وكيانَه التّاريخيّ، داحِضاً صَلف أساطيرِ الآخر المزعومة، مُفْسِحاً المجالَ للأسطورةِ أن تضرِبَ في العمقِ الأعمقِ من التّاريخ، وتَمْتَدَّ مثلَ خَيْطٍ مِنَ الضَّوْءِ، يربِطُ الجاهليَّ في بُكائِه والكنعانيَّ في صَلاتِه، مُبَرْهِناً بشكلٍ أو بِآخَرَ أنَّ الأسطورةَ تَربطُ لِتفكَّ، وتَسْتَعْبدُ لِتَعْتِقَ.