دائماً في متابعاتنا للأمور العامة نتوقف طويلاً عند النتائج ولا نهتم بالأسباب التي أدت إليها، وهذا هو ما جعل أحكامنا تجاه كثير من القضايا تبدو قاصرة وعاجزة عن تمثل الواقع بكل إيجابياته وسلبياته. وقد قيل الكثير والكثير في هذا المجال، وما زال الباب واسعاً للقول فيه وعنه، فما تزال أوضاعنا نتيجة تلك الأحكام الارتجالية غير الخاضعة للمنطق والعقل، وحتى يتم تناول قضيانا بقدر من المنطقية والتفكير السليم ستظل أوضاعنا كما هي عليها الآن غير قادرة على الاستجابة المطلوبة للخروج من هذا الواقع الجامد والمكرور.
ولنا قدوه بمن سبقنا في مجالات الحياة المختلفة عبر احتكامنا للموضوعية. وإذا ما حدث ذلك فإن أمورنا العالقة سوف تكون قادرة على التجاوز وعبور حالة الاختناق الراهن وأكرر القول هنا بأنه إلى أن يحدث ذلك التحول فسوف تظل أمورنا كما عليه أعجز من أن تحدث النقلة المطلوبة فقد لعبت حالة تأخر التطور على إطالة فترة التحول والتأخر في إدراك المنافذ المؤهلة لتجاوز الحال. وإذا كان الاقتداء بالأخر المتطور لم يبدأ بعد فإن الضرورة تقتضي الأسرع في تمثل الاقتداء، واسترجاع تاريخ الشعوب التي نسعى إلى الاقتداء بها وكيف كانت قبل أن تكتشف طريق الخلاص من معاناتها السابقة ولم يكن وضعها –يومئذ- بأحسن حالاً من وضعنا الآن؛ لكنها أدركت أسباب تخلفها واستوعبت كافة الإمكانات المؤدية إلى عبور ذلك التخلف. وينبغي أن ندرك أنه آن الأوان لإحداث النقلة الضرورية وعبور الفجوة فلن يقف العالم بانتظارنا وهو يسرع الخطى نحو الغايات الكبرى تلك التي جعلت منه قدوة ومثالاً.
لهذا لا مناص لنا نحن في الأقطار العربية من أن نعبر الفجوة المشار إليها بأسرع وقت ممكن لكي نلحق بالأخرين ونتخلص من معوقات التطور التي عاقت خطانا وجعلتنا في أخر الشعوب، ولن يتحقق لنا ذلك أبداً ما دمنا في هذا الحال من التشتت والانقسام وافتعال الخلافات. وكما أعدت وكررت في هذه السلسلة من المقالات أن علينا أن نقاوم تلك المعوقات بكل ما تبقى لنا من قوة حتى لا نبقى عبرة للتخلف، ويبقى واقعنا صورة مشوهة في زماناً لا يتوقف خطوة نحو التطور والانعتاق. وكما سبقت الإشارة فإن لنا في الشعوب التي سبقتنا قدوة يقتدى بها وأن نتذكر دائماً أنها كانت إلى وقت قريب تعاني مثل أوضاعنا وربما أكثر، وأن نجاحها الباهر سيشجعنا على مواصلة التحدي لأنفسنا ومحيطنا والتجارب مع تحديات أحلام الأجيال الجديدة التي يحزنها أن تبقى أسيرة ظروف مؤسفة.