تلعب الجغرافيا دوراً سلبياً أو إيجابياً في أماكن كثيرة من الأرض، فقد يكون الشمال هنا متطوراً وهناك متخلفاً وعلى العكس من ذلك الجنوب الذي يتقدم ويتخلف لا بحسب مواقعه وإنما بجهد أبناءه. الإنسان إذاً هو الفاعل، وهو الذي يحرك الجغرافيا ويجعلها فاعلة هنا، وعديمة الجدوى هناك. وقراءة واعية للواقع ترينا حقيقة هذا الزعم وتؤكد بكل قوة ووضوح دور الإنسان صانع المتغيرات.
وفي مقارنة عابرة يمكن لنا أن نرى دور الإنسان واضحاً في إيجابيته هناك في شمال الجزائر، ونراه سلبياً تماماً في أماكن لا نحتاج إلى تحديدها بالاسم، هناك سعي دؤوب نحو التطور والتغيير المطلوبين وهنا تعثر وتراجع. وهكذا هي الجغرافيا في كل أحوالها، ومع كل المواقع التي تشهد حالات من التقدم وأخرى من التخلف.
في حالة الجزائر شهدت الجغرافيا حالة من المد والجزر الإيجابيين وفي أماكن أخرى لم تشهد سوى حالات من المد والجزر السلبيين وكل ذلك لا يكاد يعنيها في شيء بل يعني الإنسان الذي يتحكم في مصائر الأرض والبشر.
ونعود من جديد لكي نؤكد على دور الإنسان بوصفه الأساس في كل ما حدث ويحدث من تطور وتغيير، فلا قيمة للجغرافيا ولا لأي شيء أخرى خارج دور الإنسان وموقفه. وكل شيء يتوقف على هذا الدور وما ينتج عنه على أرض الواقع. ومن يراجع واقع العالم الآن وتقدم الشعوب وتخلفها يدرك حقيقة هذا المعنى، معنى دور الإنسان وجهده الدؤوب وما يترتب عليه، فليس التقدم ولا التخلف من الأمور الطبيعة التي تصنع نفسها وإنما هو الإنسان صانع التقدم والتخلف يحددها مقدار القيمة المضافة التي يراكمها الإنسان ويضعها في قلب الجغرافيا، حيث تراه يصنع التقدم في مكان والتخلف في مكان أخر. وليس ما تنعم به الشعوب المتقدمة حالة استثنائية تصنع نفسها وإنما هي التعبير الحقيقي عن الفعل الإنساني. فليس ما تتمتع به شعوب الغرب من تطور ملحوظ وما تشهده بعض شعوب الشرق قدراً مفروضاً وإنما هو كما سبقت الإشارة خاضع لدور الإنسان وحركته السائرة نحو التحول والتغيير، ولهذا فلن يتغير وضع الشعوب التي تعاني من التخلف مالم يسارع الإنسان للقيام بالدور الذي يرجى منه للتحرر من موجبات التأخر وما تفرضه من معوقات.
وفي حالة توقف حركة الإنسان الصاعدة يتوقف كل شيء، فلو توقف جهد الإنسان في الولايات المتحدة أسابيعاً وشهوراً لأصابها ما يصيب الشعوب التي تعاني من وضاعة التخلف الشنيع. فهل آن لشعوبنا التي تأخرت كثيراً عن حركة الحياة الجديدة أن تتفهم هذا المعنى وهذه القانونية الموضوعية التاريخية، وأن يبذل أبناءها ما يستطيعونه من جهد لتجاوز أوضاعهم والانتقال إلى مستوى أفضل وأنبل.
المقال السابق18 غارة لطيران العدوان السعودي على جبهات الحدود
المقال التالي وصول 78 صياداً إلى ميناء الصليف بالحديدة