رغم علامات الهدوء السائدة ظاهراً بين كل من الولايات المتحدة والصين فإن تحت ذلك الهدوء بركان من القلق يعتري الولايات المتحدة تجاه خصمها الاقتصادي اللدود الصين بكل ما يمثله من غزو سلمي للأسواق، بما في ذلك أسواق الولايات المتحدة ذاتها.
ويلاحظ منذ فترة غير قصيرة أن الولايات المتحدة لم تعد تهتم بالتنافس التقليدي الذي كان قائماً بينها وبين روسيا، وإنما صار كل اهتمامها مركزاً على هذا العدو الجديد الذي لا يعلن عداءه ولا يهدد بأسلحةٍ نووية – وربما كان عنده الكثير منها – ولكنه يكتفي بسلاح الاقتصاد، وبهذا التمدد المدهش للأسواق بكل ما يصدره من أشياء خفيفة وثقيلة وهو ما يجعل الدول العظمى في حالة من القلق لا تستطيع إزاءه عمل أي شيء. ولعل موقف الولايات المتحدة يشبه إلى حد كبير الموقف الأوروبي، ومواقف كثيراً من الشعوب في آسيا التي استيقظ بعضها في وقت متأخر على أسواقه وقد صارت غاصّة بالمنتجات الصينية التي تجد إقبال منقطع النظير من مواطنيها
إما لرخص هذه المنتجات أو لقدراتها سد الاحتياجات الضرورية لهذه الشعوب.
إن المستقبل –كما يؤكده الواقع- هو للصين من دون أدنى شك، وستبقى الدول العظمى – وغيرها من الدول- في حالة حيرة شاملة لا تستطيع – كما سبقت الإشارة- أن تتخذ أي أجراء مضاد، كما لن تقدر على المنافسة لأن تكاليف المنافسة ستكون باهظة جداً. ومن باب الصدق في الرأي فإن الصناعات الصينية، رغم أثمانها الزهيدة، هي في غاية الدقة ولا ينقصها الجودة وهذا ما سيجعلها مستقبلاً أكثر انتشاراً وتوسعاً . كثيراً ما كانت الأحاديث تدور حول خطر زيادة عدد السكان في هذه الشعوب؛ لكن الصين أثبتت أن تلك الزيادة ليس ضعفاً بل هي قوة تساعد على رفع الانتاج والتوسع في الصناعات الدقيقة. ولذلك ليس أمام الدول العظمى أو غيرها من الدول الخائفة من تمدد (التنين الصيني ) سوى الرضوخ للأمر الواقع، والاتجاه نحو التصالح على ما يسمى بالضريبة، وما تفرضه قوانين الشعوب من مبادئ تركز على تحصين اقتصادها المحلي . وإلى أن يتم ذلك فإن حال الصين يمضي نحو مزيد من التوسع والانتشار.
وهنا أكرر القول مرة ثانية أن الصين هي مخزن اقتصاد المستقبل القادم رضى البعض أو كره، قاوموا أو استسلموا، وقبلت الولايات المتحدة أم رفضت فالأمر خارج عن إرادتها، وهي حربٌ –إذا صح أنها كذلك- سلمية لا تستخدم فيها أسلحة من أي نوع، والأهم في الموضوع أن هذا الزحف الاقتصادي الصيني يتم تقبله ويجد طريقه إلى الأسواق بكل اليسر والسهولة. ولهذا فإن إن كل الجهود التي تبذلها وستبذلها الولايات المتحدة ستذهب سدى، كما أن أسواقها المفتوحة لن تتمكن من أن تغلق أبوابها في وجه هذا الزحف السلمي.
والخلاصة أن الاقتصاد الصيني لن يتوقف عن الانتشار وليس هناك قوة في العالم بما في ذلك قوة الولايات المتحدة قادرة على أن توقف هذا الزحف الاقتصادي أو تحد من نشاطه.